أو فرق البحر ، أو ينظر بعضكم بعضا.
روي أنّه تعالى أمر «موسى» أن يسري ببني إسرائيل فأتبعهم «فرعون» وجنوده فصبّحوهم على شاطئ البحر ، فأوحى اليه : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) (١) فضربه فانفلق عن اثني عشر طريقا يابسا بعدد الأسباط فسلكوها فقالوا : يا موسى نخشى أن يغرق بعضنا ولا نعلم ، ففتح الله لهم كوّاء (٢) فتراءوا ، حتى عبروا البحر ، ولما وصل اليه «فرعون» ورأى انفلاقه اقتحم هو وجنوده فالتطم عليهم فغرقوا جميعا. (٣)
وهذه من أجلّ النّعم على «بني إسرائيل» ، وأبهر الآيات الدّالة على وجود الصّانع ، وصدق موسى عليهالسلام ولمّا كان في قومه من البلادة ما لا يمكنهم الاستدلال بالآيات الخفيّة ، اقتضت الحكمة نصب الآيات الباهرات لهم بحسب حالهم.
ألا ترى أنّهم لمّا عبروا ، ورأوا عبدة الأصنام قالوا ـ بعد ما شاهدوا من الآيات ـ : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) (٤) واتّخاذهم العجل ، وطلبهم الرؤية؟ ، وأمّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا كانوا من الذّكاء بحيث يمكنهم الاستدلال بالمعجزات النّظرية الدّقيقة جاءت آياتهم مشاكلة لما فيهم من الذّكاء.
[٥١] ـ (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) لما دخلوا «مصر» بعد هلاك «فرعون» وعد الله تعالى موسى عليهالسلام أن يؤتيه التوراة ، وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجّة ، وعبّر باللّيالي لأنّها غرر الشّهور. وقرأ «ابن كثير» و «نافع» و «عاصم» و «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» : واعدنا ؛ (٥) لأنه تعالى وعده الوحي ، ووعده
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٦٣.
(٢) الكواء : الخرق في الحائط ونحوه.
(٣) تفسير التبيان ١ / ٢٣٠.
(٤) سورة الأعراف : ٧ / ١٣٨.
(٥) حجة القراءات : ٩٦.