الغيوب التي لا تعرف إلّا بالوحي (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) التي كانوا يكتبون بها التوراة للاقتراع ، أو : قداحهم. قرر كونه وحيا على التهكم (١) إذ طريق معرفة الوقائع المشاهدة والسماع ، وعدم السماع متيقن عندهم ، فلم يبق إلّا المشاهدة ولم يتوهّمها عاقل (٢) (أَيُّهُمْ) أي : ليعلموا أيّهم (يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) تشاحّا فيها.
[٤٥] ـ (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) بدل من «إذ قالت» أو : من «إذ يختصمون» على أنّ الاختصام والبشارة وقعا في زمان واسع (٣) (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ) ذكر الضمير نظرا الى المعنى (الْمَسِيحُ) من الألقاب الشريفة ، أصله ـ في لغتهم ـ مسيحا ، ومعناه : المبارك (عِيسَى) معرّب ايشوع (ابْنُ مَرْيَمَ) صفة جعلت من الأسماء لأنها تميّز تمييزها ، أو المراد : أنّ أسمه المميز له عن غيره هذه الثلاثة ، إذ الاسم علامة المسمّى. وإنّما قيل : «ابن مريم» والخطاب لها ، ليعلم أنه يولد من غير أب ؛ إذ لا ينسب الى الأم إلّا إذا عدم الأب. (وَجِيهاً) حال من «كلمة» وسوّغه وصفها (فِي الدُّنْيا) بالنبوّة (وَالْآخِرَةِ) بالشفاعة (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) من الله ، أو :
أريد رفعه الى السماء.
[٤٦] ـ (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) أي : يكلّمهم حال الطفولة والكهولة كلام الأنبياء بلا تفاوت.
والمهد مصدر ، سمى به ما يمهّد مضجعا للصبي. قيل : رفع شابا فالمراد «وكهلا» بعد نزوله ، (٤) وذكر تقلّب أحواله تنبيها على نفي إلهيته (وَمِنَ الصَّالِحِينَ)
__________________
(١) في «ب» و «ج» زيادة : لمنكريه. والتهكم : السخرية.
(٢) في «ب» و «ج» زيادة : فتعيّن كونه وحيا.
(٣) في «ط» : واحد.
(٤) قاله زيد بن اسلم ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ٤٤٣.