ومنه التّنبيه على علوّ مرتبة الذّكر ، وأنّ العبد بإجراء هذا القدر منه على لسانه صار أهلا للخطاب ، فكيف لو لازمه ليلا ونهارا.
ومنه الإيماء إلى أنّ من تأدّب وكسر نفسه ورءاها بعيدة عن ساحة القرب حقيق أن تدركه رحمة إلهيّة توصله إلى مقام أهل القرب والخطاب.
[٦] ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فصل عمّا قبله لكمال الانقطاع ؛ لتخالفهما خبرا وإنشاء ، أو لكمال الاتّصال لأنّه بيان للمعونة المطلوبة كأنّه قيل : كيف أعينكم؟ فقالوا : «اهدنا».
والهداية : الدّلالة بلطف ـ أوصلت إلى المطلوب أم لا ـ ، وقيل : الموصلة. (١) ويدفعه (فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى). (٢) وقيل : إراءة ما يوصل ، (٣) ويدفعه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (٤) وقيل إن تعدّت الى ثاني مفعوليها بنفسها فالموصلة ، ولا تسند إلّا اليه تعالى ، أو بالحرف فالإراءة وتسند الى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن ، ويدفعه : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٥) والإسناد إلى غيره تعالى في : (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا). (٦)
ثمّ إنّ أصناف هديته سبحانه ـ وإن لم يحصرها العدّ ـ على أربعة أوجه :
الاول : إفاضة القوى والحواس لجلب النّفع ودفع الضّرر (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى). (٧)
__________________
(١) ذكره البيضاوي في تفسيره ١ : ٣٤.
(٢) سورة فصّلت : ٤١ / ١٧ وتمامه : «وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى علي الهدى».
(٣) أشار اليه البيضاوي في تفسيره ١ : ٣٥.
(٤) سورة القصص : ٢٨ / ٥٦.
(٥) سورة البلد : ٩٠ / ١٠.
(٦) سورة مريم : ١٩ / ٤٣.
(٧) سورة طه : ٢٠ / ٥٠.