العباد على مطلوبهم منه ، ولأنّ المتكلّم لمّا نسب العبادة الى نفسه كان كالمعتدّ بما يصدر منه فعقّبه (١) ب «إيّاك نستعين» ، إيذانا بأنّ العبادة لا تتمّ إلّا بمعونته.
وإيثار صيغة المتكلّم مع الغير على المتكلّم وحده ، ليلاحظ القارئ دخول الحفظة أو حاضري صلاة الجماعة ، او كلّ موجود (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ، (٢) وليؤذن بحقارة نفسه عن عرض العبادة وطلب المعونة منفردا على باب الكبرياء بدون انضمامه إلى جماعة تشاركه في العرض ، كما يصنع في عرض الهدايا ، ورفع الحوائج إلى الملوك ، وليحترز عن الكذب لو انفرد في ادّعائه : قصر خضوعه التّام واستعانته عليه تعالى ، مع خضوعه التّام لأهل الدنيا من الملوك ونحوهم.
وفي الجمع يمكن أن يقصد تغليب الخلّص على غيرهم فيصدق ، وليدرج عبادته وحاجته في عبادة المقرّبين وحاجتهم لعلّها تقبل وتجاب ببركتهم.
والعدول من الغيبة الى الخطاب التفات ، ويكون بالعكس ، ومن أحدهما الى التّكلّم وبالعكس ، ومن عادة العرب العدول من أسلوب الى آخر تفنّنا في الكلام ، وتطرية له ، وتنشيطا للسّامع ، وتختصّ مواقعه بنكت.
وممّا اختص به هذا الموضع : أنّ الحمد إظهار مزايا المحمود ، فالمخاطب به غيره تعالى ، فالمناسب له طريق الغيبة.
وأما العبادة والاستعانة ، فينبغي كتمانهما من غير المعبود والمستعان ؛ ليكون أقرب الى الإخلاص وأبعد عن الرّياء ، فالمناسب له طريق الخطاب.
ومنه : التّلويح إلى ما في حديث : «اعبد الله كأنّك تراه» (٣) إذ العبادة الكاملة هي ما يكون العابد حال اشتغاله بها مستغرقا في الحضور ، كأنّه مشاهد لجناب معبوده.
__________________
(١) في «ج» : فعقّب.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٤٤.
(٣) عوالي اللآلي ١ : ٤٠٥ الحديث ٦٥.