للتأكيد والتّنصيص على أنّ الطريق الذي هو علم في الاستقامة هو طريق المنعم عليهم ، حيث جعل كالتّفسير له.
والمراد بهم المذكورون في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ). (١) وقيل : المراد بهم المسلمون ، (٢) فإنّ نعمة الإسلام أصل كلّ النّعم. وقيل : الأنبياء. (٣)
والإنعام : إيصال النّعمة ، وهي ـ في الأصل ـ مصدر ، بمعنى : الحالة المستلذّة ، ككون الإنسان مليّا ـ مثلا ، ثمّ أطلقت على نفس الشّيء المستلذّ ، تسمية للسّبب باسم المسبّب.
ونعمه سبحانه ـ على كثرتها وتعذّر حصرها (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٤) ـ ثمانية أنواع : إمّا دنيويّ موهبيّ روحاني ـ كإفاضة العقل ـ ، أو جسمانيّ ـ كخلق الأعضاء ـ.
وإمّا دنيويّ كسبيّ روحانيّ ـ كتحلية النّفس بالأخلاق الزّكية ـ ، أو جسمانيّ ـ كتزيين البدن بالهيئات المطبوعة.
وإمّا أخرويّ موهبيّ روحانيّ ـ كغفران ذنب من لم يتب ـ ، أو جسماني كأنهار العسل ، وامّا أخرويّ كسبي روحانيّ كغفران ذنب التائب او جسماني كاللذّات الجسمانية المستجلبة بالطّاعات.
والمراد ـ هنا ـ : الأربعة الأخيرة ، وما يكون وصلة إليها من الأربعة الاول ـ لاشتراك المؤمن والكافر فيما عدا ذلك ـ. (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٦٩.
(٢) قاله وكيع كما في تفسير ابن كثير ١ : ٢٨.
(٣) أورد هذا القول ابن كثير في تفسيره (١ : ٢٨) أيضا.
(٤) سورة النحل : ١٦ / ١٨.