ووقوعهم في الظّلمات المتراكمة باستضاءة المستوقد الّتي حصلت بعد السّعي ، فزالت بإطفاء النّار فبقي في ظلمة شديدة.
أو مثل لهداهم الذي باعوه بالنّار الموقدة للاستضاءة ، والضلالة التي اشتروها ، فطبع بها على قلوبهم بإطفاء الله تعالى إيّاها وإذهاب نورها.
[١٨] ـ (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) لمّا لم يصيخوا (١) مسامعهم إلى الحق وأبوا النّطق به والتّبصّر للآيات جعلوا كأنّ حواسّهم مأوّفة ، وهو من التّشبيه لا الاستعارة ، إذ شرطها طيّ ذكر المستعار له بحيث يمكن الحمل على المستعار منه لو لا القرينة. وهنا وإن طوى ذكره بحذف المبتدأ لكنه في حكم المذكور.
والصّمم : فقدان حسّ السّمع ، والبكم : الخرس ، والعمى : عدم البصر عمّا من شأنه ، ويقال لعدم البصيرة (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى الهدى الذي باعوه أو عن الضّلالة الّتي اشتروها.
[١٩] ـ (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) عطف على «الّذي استوقد» ، أي : كمثل ذوي صيّب لقوله : «يجعلون» ، و «أو» للإباحة. والمعنى : أنّ قصّة المنافقين مشبهة لكلّ من هاتين القصّتين فلك التّمثيل بهما أو بأيّتهما شئت.
و «الصّيّب» : المطر الّذي يصوب ، أي : ينزل ، ويقال للسّحاب ، وكل محتمل ـ هنا ـ ، وتنكيره للتّهويل ، أي : نوع من المطر هائل وتعريف «السّماء» ليدلّ على تطبيق السّحاب لكلّ آفاقها لا أفق واحد فإنّه سماء ، أو «السّماء» : السّحاب ، فاللام للجنس. (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) إن أريد بالصّيّب : المطر ، فالظّلمات : ظلمة تكاثفة ، وظلمة غمامه مع ظلمة اللّيل ، وجعله ظرفا للرّعد والبرق لتلبّسهما به ، وإن أريد به السّحاب ، فالظّلمات : سحمته (٢) وتطبيقه مع ظلمة اللّيل ، وارتفاعها بالظّرف.
__________________
(١) أصاخ له واليه : بمعنى أصغى واستمع.
(٢) المسحمة : السواد ، والمراد سواد الليل.