(وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١٤٢)
الميعاد الكبير : في هذه الآية إشارة إلى مشهد من مشاهد حياة بني إسرائيل ، ومشكلة موسى عليهالسلام معهم ، وذلك هو قصة ذهاب موسى إلى ميقات ربّه ، وتلقي أحكام التوراة عن طريق الوحي وكلامه مع الله ، والتي ذكرت بعد قصة عبادة بني إسرائيل للعجل وانحرافهم عن مسير التوحيد ، وضجّة السامري العجيبة. يقول تعالى أوّلاً : (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).
هذه الأيام الأربعون بدأت من أوّل شهر ذى القعدة وختمت باليوم العاشر من شهر ذي الحجة (عيد الأضحى).
«الميقات» : مشتقة من مادة «الوقت» بمعنى الموعد المضروب للقيام بعمل ما ، ويطلق عادة على الزمان ، ولكنه قد يطلق على المكان الذي يجب أن يتمّ العمل فيه ، مثل «ميقات الحج» يعني المكان الذي لا يجوز أن يجتازه أحد إلّامحرماً.
ثم ذكرت الآية أنّ موسى استخلف هارون وأمره بالإصلاح في قومه ، وأن لا يتبع سبيل المفسدين : (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هرُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).
حديث المنزلة : أشار كثير من المفسرين الشيعة والسنّة ـ في ذيل الآية مورد البحث ـ إلى حديث «المنزلة» المعروف ، بفارق واحد هو : أنّ الشيعة اعتبروا هذا الحديث من الأدلة الحيّة والصريحة على خلافة علي عليهالسلام لرسول الله صلىاللهعليهوآله مباشرة وبلا فصل.
ولكي يتّضح هذا البحث ندرج هنا أوّلاً أسانيد ونص هذا الحديث باختصار ، ثم نبحث في دلالته.
أسانيد حديث المنزلة : روى جمع كبير من صحابة النبي صلىاللهعليهوآله حول غزوة تبوك : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خرج إلى تبوك واستخلف علياً فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال : «ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه ليس نبي بعدي».
وهذا النص ورد في أوثق الكتب الحديثية لدى أهل السنّة ، يعني صحيح البخاري وعن سعد بن أبي وقاص (١).
__________________
(١) صحيح البخارى ٥ / ١٢٩.