في الآية الاولى : (وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَاءِيلَ الْبَحْرَ). أي النيل العظيم.
ولكن في مسيرهم مرّوا على قوم يعبدون الأصنام : (فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ).
«عاكف» : مشتقة من مادة «العكوف» بمعنى التوجه إلى شيء وملازمته المقارنة لإحترامه وتبجيله.
فتأثّر الجهلة الغافلون بهذا المشهد بشدة إلى درجة قالوا لموسى من دون إبطاء : يا موسى اتّخذ لنا معبوداً على غرار معبودات هؤلاء : (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلهًا كَمَا لَهُمْءَالِهَةٌ).
فانزعج موسى عليهالسلام من هذا الإقتراح الأحمق بشدة ، وقال لهم : (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). لأنّ منشأ الوثنية هو جهل البشر.
وفي الآية اللاحقة نقرأ أنّ موسى عليهالسلام ـ لتكميل حديثه لبني إسرائيل ـ قال : إنّ هذه الجماعة الوثنية التي ترونها سينتهي أمرها إلى الهلاك ، وإن عملهم هذا باطل لا أساس له (إِنَّ هؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
فعمل هذه الجماعة باطل ، وجهودهم غير منتجة ، كما أن مصير مثل هؤلاء القوم وكل قوم وثنيين ومشركين هو الهلاك والدمار.
ثم تضيف الآية التوكيد : إنّ موسى عليهالسلام (قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ).
وفي الآية اللاحقة يذكر القرآن الكريم إحدى النعم الإلهية الكبرى التي وهبها الله سبحانه لبني إسرائيل ، ليبعث بالإلتفات إلى هذه النعمة الكبرى حسّ الشكر فيهم ، وليعلموا أنّ اللائق بالخضوع والعبادة هو الذات الإلهية المقدسة فحسب ، يقول في البداية : تذكّروا يوم أنجيناكم من مخالب آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم دائماً (وَإِذْ أَنجَيْنكُم مّنْءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ).
ثمّ تمشياً مع أسلوب القرآن في بيان الامور بتفصيل بعد إجمال شرح هذا العذاب المستمر ، وهو : قتل الأبناء ، واستبقاء النساء للخدمة والإسترقاق (يُقَتّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ).
وقد كان في هذا اختبار عظيم من الله لكم (وَفِى ذلِكُم بَلَاءٌ مّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ).