لقد فعلت ردّة فعل موسى عليهالسلام الشديدة فعلتها في المآل فقد ندم عَبَدة العجل الإسرائيليون ـ وهم أكثرية القوم ـ على فعلهم ، وقد طرح هذا الندم في عدّة آيات قبل هذه الآية أيضاً (الآية ١٤٩) ومن أجل أن لا يُتصور أنّ مجرّد الندم من مثل هذه المعصية العظيمة يكفي للتوبة ، يضيف القرآن الكريم قائلاً : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبّهِمْ وَذِلَّةٌ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا).
وهكذا لأجل أن لا يُتصور أنّ هذا القانون يختص بهم أضاف قائلاً : (وَكَذلِكَ نَجْزِى الْمُفْتَرِينَ).
إنّ التعبير ب «اتّخذوا» إشارة إلى أنّ الوثن ليس له أيّة واقعية ، ولكن انتخاب عبدة الأوثان هو الذي أعطاه تلك الشخصية والقيمة الوهمية ، ولهذا أتى بكلمة «العجل» وراء هذه الجملة فوراً ، يعني أنّ ذلك العجل هو نفس ذلك العجل حتى بعد انتخابه للعبادة.
وفي الآية اللاحقة يكمّل القرآن الكريم هذا الموضوع ويقول في صورة قانون عام : (والَّذِينَ عَمِلُوا السَّيَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) فالذين يتوبون من بعد السيئة وتتوفر كل شروط التوبة لديهم يغفر الله لهم ويعفو عنهم.
الآية الأخيرة من الآيات المبحوثة تقول : ولما سكن غضب موسى عليهالسلام وحصل على النتيجة التي كان يتوخاها ، أخذ الألواح من الأرض ، تلك الألواح التي كانت تحتوي ـ من أوّلها إلى آخرها ـ على الرحمة والهداية ، رحمة وهداية للذين يشعرون بالمسؤولية ، والذين يخافون الله ، ويَخضعون لأوامره وتعاليمه : (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِى نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ).
(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (١٥٥) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (١٥٦)