مندوبو بني إسرائيل في الميقات : في الآيتين الحاضرتين يعود القرآن الكريم مرّة اخرى إلى قصة ذهاب موسى إلى الميقات «الطور» في صحبة جماعة ، ويقص قسماً آخر من تلك الحادثة. فقد قال القرآن الكريم في الآيتين الحاضرتين أوّلاً : (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لّمِيقَاتِنَا).
ولكن بني إسرائيل حيث إنّهم سمعوا كلام الله طلبوا من موسى عليهالسلام أن يطلب من الله تعالى أن يريهم نفسه ـ لبني إسرائيل ـ جهرة ، وفي هذا الوقت بالذات أخذهم زلزال عظيم وهلك الجماعة ، ووقع موسى عليهالسلام على الأرض مغشياً عليه ، وعندما أفاق قال : ربّاه لو شئتَ لأهلكتَنا جميعاً ، يعني بماذا أجيبُ قومي لو هلك هؤلاء : (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيىَ).
ثم قال : ربّاه إنّ هذا المطلب التافة إنّما هو فعل جماعة من السفهاء ، فلا تؤاخذنا بفعلهم : (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا).
ثم إنّ موسى عليهالسلام قال في عقيب هذا التضرع والطلب من الله : ربّاه إنّي أعلم أنّ هذا كان اختبارك وامتحانك ، فأنت تضلّ من تشاء (وكان مستحِقاً لذلك) وتهدي من تشاء (وكان لائقاً لذلك) (إِنْ هِىَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) وإختبارك.
وفي ختام الآية يقول موسى عليهالسلام : ربّاه : (أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ).
من مجموع الآيات والروايات يستفاد أنّ الهالكين قد استعادوا حياتهم في المآل وعادوا برفقة موسى عليهالسلام إلى بني إسرائيل ، وقصُّوا عليهم كل ما سمعوه وشاهدوه ، وأخذوا في إرشاد الغافلين الجاهلين وهدايتهم.
وفي الآية اللاحقة يشير إلى طلب موسى عليهالسلام من ربّه وتكميل مسألة التوبة التي ذكرت في الآيات السابقة ، يقول موسى : (وَاكْتُبْ لَنَا فِى هذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْأَخِرَةِ).
«الحسنة» : تعني كل خير وجمال ، وعلى هذا الأساس تشمل جميع النعم ، وكذا التوفيق للعمل الصالح ، والمغفرة ، والجنّة ، وكل نوع من أنواع السعادة.
ولقد أجاب الله ـ في النهاية ـ دعاء موسى عليهالسلام وقَبِل توبته ، ولكن لا بصورة مطلقة ، بل جاء ذلك في ختام الآية مشروطاً بشروط ، إذ يقول : (قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ) وكان مستحِقاً.