(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٨٦)
هاتان الآيتان ـ محل البحث ـ تواصلان الكلام على التوحيد ومكافحة الشرك ، وتبطلان منطق المشركين بأربعة أدلة ، فتقول الآية الاولى من هاتين الآيتين : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ).
فبناءً على ذلك لا معنى لأن يسجد الإنسان لشىء مثله تحكمها قوانين الطبيعية ، وأن يمدّ يد الضراعة والحاجة إليه ، وأن يجعل مقدّراته ومصيره تحت يده.
ثم تضيف الآية : أنّكم لو تزعمون بأنّ لهم عقلاً وشعوراً (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
وهذا هو الدليل الثاني على إبطال منطق المشركين.
وفي البيان الثالث تبرهن الآية على أنّ الأصنام أضعف حتى من عبادها المشركين ، فتتساءل مستنكرةً : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) (١).
وهكذا فإنّ الأصنام من الضعة بمكان حتى أنّها بحاجة إلى من يدافع عنها ويحامي عنها ، وأخيراً فإنّ الآية تبين ضمن تعبير هو في حكم الدليل الرابع مخاطبة النبي صلىاللهعليهوآله قائلةً : (قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونَ). أي إذا كنت كاذباً ، وأنّ الأصنام مقرّبات عندالله ، وقد تجرأتُ عليها فلِمَ لا تغضب عليّ؟ وليس لها ولا لكم ولمكائدكم أي تأثير عليّ.
(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)(١٩٨)
__________________
(١) «يبطشون» : فعل مشتق من «البطش» على زنة «العرش» ومعناه الإستيلاء بالشدّة والصولة والقدرة.