المعبودات التي لا قيمة لها : تعقيباً على الآية المتقدمة التي كانت تخاطب المشركين بالقول (على لسان النبي) : (ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونَ) منبّهة إياهم أنّهم لا يستطيعون أن يصيبوا النبي بأدنى ضرر ، فإنّ الآية الاولى ـ من الآيات ـ محل البحث ـ تذكر الدليل على ذلك فتقول : (إِنَّ وَلِيّىَ اللهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَابَ).
وليس وليي وحدي فحسب ، بل هو وليّ جميع الصالحين (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).
ثم يؤكّد القرآن بالآية التالية على بطلان عبادة الأوثان مرّة اخرى فيقول : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَايَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ).
بل أبعد من ذلك (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَايَسْمَعُوا). وبالرغم من امتلاكهم العيون التي يخيل إلى الرائي أنّها تنظر : (وَتَرَيهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَايُبْصِرُونَ).
ومضمون الآيتين الأخيرتين ورد في الآيات السابقة أيضاً ، وهذا التكرار إنّما هو لمزيد التأكيد على مكافحة الشرك وقلع جذوره التي نفذت في أفكار المشركين وأرواحهم عن طريق التلقين والتقرير المتكرر.
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْ لَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٠٣)
وساوس الشيطان : في هذه الآيات يبين القرآن شروط التبليغ وقيادة الناس وإمامتهم باسلوب أخّاذ رائق وجيز ، وهي في الوقت ذاته تتناسب والآيات المتقدمة التي كانت تشير إلى مسألة تبليغ المشركين أيضاً. ففي الآية الاولى ـ من الآيات محل البحث ـ إشارة إلى ثلاث من وظائف القادة والمبلغين ، فتوجّه الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآله فتقول في البداية : (خُذِ الْعَفْوَ).
ثم تعقّب الآية بذكر الوظيفة الثانية للنبي صلىاللهعليهوآله وتأمره بأن يرشد الناس إلى حميد الأفعال التي يرتضيها العقل ويدعو إليها الله عزوجل قائلةً : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ).