سبحانه في أي وقت يريد إنزال العقاب بأحد العباد أو تنبيهه ، فإنّ هذا العقاب سيتحقق مباشرة ، في حين أنّ الآخرين ليسوا كذلك.
ثم يهدد هؤلاء بأن لا تظنوا أنّ هذه المؤامرات والخطط ستُنسى ، بل إنّ رسلنا ـ أي الملائكة ـ يكتبون كل هذه المخططات التي تهدف إلى إطفاء نور الحق : (إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) ولذلك يجب أن تهيئوا أنفسكم للجواب والعقاب في الحياة الاخرى.
وتغوص الآية التالية في أعماق فطرة البشر ، وتوضح لهؤلاء حقيقة التوحيد الفطري ، وكيف أنّ الإنسان عندما تلّم به المشاكل الكبيرة وفي أوقات الخطر ، ينسى كل شيء إلّاالله تبارك وتعالى ويتعلق به. تقول الآية : (هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ). في هذا الحال بالضبط تذكروا الله ودعوه بكل إخلاص وبدون أية شائبة من الشرك ، و (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ). فيرفعون أيديهم في هذا الوقت للدعاء : (لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). فلا نظلم احداً ولانشرك بعبادتك غيرك.
ورغم أنّ هذه اليقظة مؤقتة ، وليس لها أثر تربوي في الأفراد الملوّثين جدّاً ، أنّها تقيم الحجّة عليهم ، وستكون دليلاً على محكوميتهم.
أمّا الذين تلوثوا بالمعاصي قليلاً ، فإنّهم سيتنبهون في هذه الحوادث ويصلحون مسارهم.
ولكن ما أن أنجاهم الله وأوصلهم إلى شاطىء النجاة بدؤوا بالظلّم والجور : (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ). لكن يجب أن تعلموا ـ أيّها الناس ـ إنّ نتيجة ظلمكم ستصيبكم أنتم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم). وآخر عمل تستطيعون عمله هو أن تتمتعوا قليلاً في هذه الدنيا : (مَّتَاعَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
ملاحظتان
١ ـ لقد ذكرت «الرحمة» في الآيات أعلاه مقابل «الضراء» ولم تذكر السراء ، وهي إشارة إلى أنّ أي حسن ونعمة تصل إلى الإنسان فهي من الله سبحانه ورحمته اللامتناهية ، في حين أنّ السوء والنقمات إذا لم تكن للعبرة ، فإنّها من آثار أعمال الإنسان نفسه.
٢ ـ إنّ جملة (أُحِيطَ بِهِمْ) تعني أنّ هؤلاء قد أحاطت بهم الأمواج المتلاطمة من كل