مثله ، واستعينوا في ذلك بمن شئتم غير الله ، ولكنكم لاتستطيعون فعل ذلك أبداً ، وبهذا الدليل يثبت أنّ القرآن من وحي السماء (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَيهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
إنّ هذه الآيات من جملة الآيات التي تبيّن إعجاز القرآن بصراحة ، لا إعجاز كل القرآن فحسب ، بل حتى إعجاز السورة الواحدة ، وقد خاطبت كل العالمين ـ بدون استثناء ـ بأنّكم إن كنتم معتقدين بأنّ هذه الآيات ليست من الله فأتوا بمثله ، أو بسورة منه على الأقل.
وفي الآية التالية إشارة إلى واحدة من العلل الأساسية لمخالفة المشركين ، فتقول : إنّ هؤلاء لم ينكروا القرآن بسبب الإشكالات والإيرادات ، بل إنّ تكذيبهم وإنكارهم إنّما كان بسبب عدم اطلاعهم وعلمهم به : (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
في الحقيقة لم يكن لهؤلاء أيّ دليل على نفي المبدأ والمعاد ، وكان الجهل والتخلف الناشىء من الخرافات والتعود على مذهب الأجداد هو السد الوحيد في طريقهم.
أو الجهل بأسرار الأحكام.
أو الجهل بمفهوم بعض الآيات المتشابهة.
أو الجهل بمعنى الحروف المقطعة.
أو الجهل بالدروس والعبر التي هي الهدف النهائي من ذكر تاريخ الماضين.
إنّ مجموع هذه الجهالات والضلالات كانت تحملهم على الإنكار والتكذيب ، في حين أنّ تأويل وتفسير وتحقق المسائل المجهولة بالنسبة لهؤلاء لم يبيّن بعد (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ). «التأويل» : في أصل اللغة بمعنى إرجاع الشيء وعلى هذا فإنّ كل عمل أو قول يصل إلى هدفه النهائي نقول عنه : إنّ تأويله قد حان وقته.
ثم يضيف القرآن مبيناً أن هذا المنهج الزائف لاينحصر بمشركي عصر الجاهلية ، بل إنّ الأقوام السابقين كانوا مبتلين أيضاً بهذه المسألة ، فإنّهم كانوا يكذبون الحقائق وينكرونها دون السعي لمعرفة الواقع ، أو إنتظار تحققه : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ).
في حين أنّ العقل والمنطق يحكمان بأنّه لا ينبغي للانسان انكار ما يجهله مطلقاً ، بل يبدأ بالبحث والتحقيق.
وفي النهاية وجهت الآية الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله وقالت : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ). أي إنّ هؤلاء سيلاقون أيضاً نفس المصير.