الأراضي البائرة ، كأرض قوم نوح وأرض قوم لوط ، حيث إنّ واحدة منهما دمرها الغرق والثانية امطرت بالحجارة.
(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ) حيث ركنوا ولجأوا إلى الأصنام والآلهة «المزعومة» (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْءَالِهَتُهُمُ الَّتِى يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَىْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبّكَ) بل زادوهم ضرراً وخسراناً (وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) (١).
(وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ) فلا يدعها على حالها و (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
هذا قانون إلهي عام ومنهج دائم ، فما من قوم أو امة من الناس يتجاوزون حدود الله ويمدون أيديهم للظلم ولا يكترثون لنصائح أنبيائهم ومواعظهم ، إلّاأخذهم الله أخذاً شديداً واعتصرتهم قبضة العذاب.
وبالطبع فإنّ الظلم بمعناه الواسع يشمل جميع الذنوب ، ووصُفت القرية أو المدينةُ بأنّها «ظالمة» مع أنّ الوصف ينبغي أن يكون لساكنيها ، فكأنّما هناك مسألة دقيقة وهي أنّ أهل هذه المدينة انغمسوا في الظلم إلى درجة حتى كأنّ المدينة أصبحت مغموسة في الظلم أيضاً.
وبما إنّ هذا قانون كلي فإنّ القرآن يقول مباشرة : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْأَخِرَةِ). لأنّ الدنيا لا تعدّ شيئاً إزاء الآخرة ، وجميع ما في الدنيا حقير حتى ثوابها وعقابها ، والعالم الآخر أوسع ـ من جميع النواحي ـ من هذه الدنيا ، فالمؤمنون بيوم القيامة ينظرون بعين العبرة لدى مشاهدة هذه المُثُل والنماذج في الدنيا ، ويواصلون طريقهم.
وفي ختام الآية إشارة إلى وصفين من أوصاف يوم القيامة حيث يقول القرآن : (ذلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ).
هي إشارة إلى أنّ القوانين والسنن الإلهية كما هي عامّة في هذا العالم ، فإنّ اجتماع الناس في تلك المحكمة الإلهية أيضاً عام.
وبما أنّ البعض قد يتوهم أنّ الحديث عن ذلك اليوم لم يحن أجله فهو نسيئة وغير معلوم وقت حلوله ، لهذا فإنّ القرآن يقول مباشرة : (وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ).
وذلك أيضاً لمصلحة واضحة جليّة ليرى الناس ميادين الاختبار والتعلم ، وليتجلى آخر منهج للأنبياء.
__________________
(١) «التتبيب» : مشتق من مادة «تبّ» ومعناه الاستمرار في الضرر ، وقد يأتي بمعنى الهلاك أيضاً.