والتعبير بكلمة «معدود» إشارة إلى قرب يوم القيامة ، لأنّ كل شيء يقع تحت العدّ والحساب فهو محدود وقريب.
(يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١٠٨)
السعادة والشقاوة : أشير في الآيات المتقدمة إلى مسألة القيامة واجتماع الناس كلهم في تلك المحكمة العظيمة ... وهذه الآيات ـ محل البحث ـ بيّنت زاوية من عواقب الناس ومصيرهم في ذلك اليوم ، إذ تقول الآيات أوّلاً : (يَوْمَ يَأْتِ لَاتَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ).
إنّ الناس يقطعون في ذلك اليوم مراحل مختلفة ... وكل مرحلة لها خصوصياتها ، ففي قسم من المراحل لا يُسألون أبداً حتى أنّ أفواههم يُختم عليها فلا يتكلمون ، وإنّما تنطق أعضاء أجسادهم التي حفظت آثار أعمالها بلغة من دون لسان ، وفي المراحل الاخرى يرفع الختم أو القفل عن أفواههم ويتكلمون بإذن الله فيعترفون بأخطائهم وذنوبهم ويلوم المخطئون بعضهم بعضاً ، بل يحاولون أن يُلقوا تبعات أوزارهم على غيرهم.
ويشار في نهاية الآية إلى تقسيم الناس جميعاً إلى طائفتين : طائفة محظوظة ، واخرى بائسة تعيسة (فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ). وليس هذا الشقاء وتلك السعادة سوى نتيجة الأعمال والأقوال والنيّات التي سلفت من الإنسان في الدنيا.
ثم تشرح الآيات حالات السعداء والأشقياء حيث تقول : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ). وتضيف حاكية عن حالهم أيضاً : (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّموَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَّا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِى الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّموَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ).
الطريف أنّ لفظ «شقوا» في الآيات المتقدمة ورد بصيغة المبني للمعلوم ، ولفظ «سعدوا» ورد بصيغة المبني للمجهول ، ولعل في هذا الاختلاف في التعبير إشارة لطيفة إلى هذه المسألة الدقيقة ، وهي أنّ الإنسان يطوي طريق الشقاء بخطاه ، ولكن لابد لطيّ طريق السعادة من