ولذا فقد عبّر القرآن عنها ب (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) وجعل فيها العبر للمعتبرين (أُولِى الْأَلْبَابِ).
٢ ـ التدقيق في آيات هذه السورة يكشف هذه الحقيقة للإنسان ، وهي أنّ القرآن معجز في جميع أبعاده ، لأنّ الأبطال الذين يقدمهم في قصصه أبطال حقيقيّون لا خياليّون ، وكل واحد في نفسه منهم منعدم النظير :
فإبراهيم عليهالسلام : البطل الذي حطّم الأصنام بروحه العالية التي لا تقبل المساومة مع الطغاة.
وموسى عليهالسلام : البطل المربّي لقومه اللجوجين ، والذي وقف بوجه فرعون المتكبر الطاغي.
ويوسف عليهالسلام : بطل الورع والتقوى والطهارة ... أمام امرأة محتالة جميلة عاشقة.
بعد هذا كلّه تتجلّى القدرة البيانية للوحي القرآني بصورةٍ تحيّر الإنسان ، لأنّ هذه القصّة ـ كما نعرف ـ تنتهي في بعض مواردها إلى مسائل العشق ودون أن يمسخها القرآن أو يتجاوزها يتعرض إلى الأحداث في مسرحها بدقة بحيث لا يحس السامع شيء غير مطلوب فيها ، ويذكر القضايا بأجمعها في المتن ، ولكن تحفّها أشعة قوية من التقوى والطهارة.
٣ ـ قصة يوسف قبل الإسلام وبعده : لا شك أنّ قصة يوسف كانت مشهورة ومعروفة بين الناس قبل الإسلام ، لأنّها مذكورة في (١٤) فصلاً من (سفر التكوين) في التوراة بين (الفصل ٣٧ ـ ٥٠) ذكراً مفصلاً.
وبطبيعة الحال فإنّ المطالعة الدقيقة في هذه الفصول الأربعة عشر تكشف مدى الاختلاف بين ما جاء في التوراة وما جاء في القرآن.
وبالمقارنة بين نصّ التوراة ونصّ القرآن نجد أنّ نصّ القصة في القرآن في غاية الصدق وتخلو من أي خرافة.
وما يقوله القرآن للنبي صلىاللهعليهوآله : (وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) يشير إلى قصة يوسف التي عبّر عنها بأحسن القصص ، حيث لم يكن النبي مطّلعاً على حقيقتها الخالصة.
وعلى كل حال فإنّ هذه القصة ـ بعد الإسلام ـ تناقلتها أقلام مؤرخي الشرق والغرب ... وأحياناً مع أغصان وأوراق إضافية.
٤ ـ لِمَ ذكرت قصة يوسف في مكان واحد بخلاف قصص سائر الأنبياء؟ إنّ من خصائص قصة يوسف البارزة أنّ هذه القصة ذكرت في مكان واحد من القرآن ، على خلاف قصص الأنبياء التي ذكرت على شكل فصول مستقلة في سور متعددة من القرآن.