وللتأكيد على هذا الحديث يأتي في نهاية الآية قوله تعالى : (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِى ضَللٍ). وأيّ ضلال أكبر من أن يسعى الإنسان ويجتهد في السبيل الضالّ ... ولكنّه لا يصل إلى مقاصده.
الآية الأخيرة من هذه المجموعة ، ولكي تُبرهن كيف أنّ المشركين ضلّوا الطريق تقول : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِللُهُم بِالْغُدُوّ وَالْأَصَالِ).
السجدة في هذه الموارد تعني الخضوع والتسليم ، وهناك نوعان من السجود ، سجود تكويني وهو أنّ الكل خاضعون ومسلّمون للقوانين الطبيعية مثل الحياة والممات والمرض و... ، والبعض منهم له سجود تشريعي بالإضافة إلى السجود التكويني ، فهم بميلهم وإرادتهم يسجدون لله.
عبارة (طَوْعًا وَكَرْهًا) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ المؤمنين خاضعون لله بميلهم وإرادتهم ، وأمّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين الطبيعية التي تسير بأمر الله إن شاؤوا وإن أبوا.
«الظّلال» : جمع «ظِل» واستعمال هذه الكلمة في الآية يشير إلى أنّ المقصود في السجود ليس فقط السجود التشريعي ، فظِلال الكائنات ليست خاضعة لارادتهم واختيارهم ، بل هو تسليم لقانون الضوء ، وعلى هذا يكون سجودهم تكويني ، يعني التسليم للقوانين الطبيعية.
(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلَا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (١٦)
لماذا عبادة الأصنام؟ كان البيان في الآيات السابقة عن معرفة الله وإثبات وجوده ، وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين وتتناوله من عدّة جهات ، حيث تخاطب ـ أوّلاً ـ النبي صلىاللهعليهوآله حيث تقول : (قُلْ مَن رَّبُّ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ). ثمّ تأمر النبي أن يجيب على السؤال قبل أن ينتظر جوابهم : (قُلِ اللهُ). ثم إنّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة : (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَايَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا).
ثم يذكر مثالين واضحين وصريحين يحدّد فيها وضع الأفراد الموحدين والمشركين ،