إليها ، وقد عبّر عنها بالمحو والإثبات ، وأحياناً يقال عن المرحلتين : «اللوح المحفوظ» و «لوح المحو والإثبات» كأنّ ما كُتب في اللوح الأوّل محفوظ لا يتغيّر ، أمّا الثاني فمن الممكن محو ما كتب فيه وتغييره.
في تفسير العياشي عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : «من الامور امور محتومة كائنة لا محالة ، ومن الامور امور موقوفة عند الله يقدّم فيها ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت منها ما يشاء ، لم يطلع على ذلك أحداً يعني الموقوفة فأمّا ما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه ولا نبيّه ولا ملائكته».
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (٤٣)
البشرية فانية ووجه الله باق : بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث مع منكري رسالة النبي صلىاللهعليهوآله فقد تابعت هذه الآيات كذلك نفس البحث. يقول تعالى أوّلاً : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِى الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا). من الواضح أنّ المقصود من «الأرض» هنا هم أهل الأرض ، يعني أنّ هؤلاء لا ينظرون إلى هذا الواقع من أنّ الأقوام والحضارات والحكومات في حال الزوال والإبادة ، وإنذار لكل الناس ، الصالح منهم والطالح ، حتى العلماء الذين يشكّلون أركان المجتمع البشري يكون موت أحدهم أحياناً نقصاناً للدنيا.
ثم يضيف : (وَاللهُ يَحْكُمُ لَامُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ). ولذلك فإنّ قانون الفناء مكتوب على جبين كل الأفراد والامم من جهة ، ومن جهة اخرى لا يستطيع أحد أن يغيّر هذا الحكم ولا الأحكام الاخرى ، ومن جهة ثالثة أنّ حساب العباد سريع جدّاً ، وبهذا الترتيب يكون جزاؤه قاطعاً.
ثم يستمر البحث في الآية الثانية ويقول : ليست هذه الفئة فقط نهضت بمكرها ومحاربتها لك ، بل (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ). لكن خططهم كُشفت ، واجهضت مؤامرتهم بأمر من الله ، لأنّه أعلم الموجودات بهذه المسائل (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا) ذاك هو العالم بكل شيء