(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)(٧)
كان الحديث في الآيات السابقة عن القرآن الكريم وآثاره الروحية ، وتتابع الآية الاولى من هذه المجموعة نفس الموضوع ، لكن في بُعد خاص وهو أنّ دعوة الأنبياء وكتبهم السماوية نزلت بلسان أقوامهم الذين بُعِثوا إليهم. يقول تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ). لأنّ الأنبياء يرتبطون في الدرجة الاولى مع قومهم ، وأوّل نور الوحي يشعّ من بينهم ، وأوّل الصحابة والأنصار يُنتخبون منهم ، لذلك فإنّ الرسول يجب أن يحدّثهم بلغتهم وبلسانهم (لِيُبَيّنَ لَهُمْ).
إنّ دعوة الأنبياء كانت توضّح لهم من خلال التبيين والتعليم والتربية وبلسانهم الرائج لا من خلال أثر مرموز وغير معروف في قلوب.
ثم يضيف القرآن الكريم بعد أن بيّن لهم الدعوة الإلهية : (فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ). فليست الهداية والضلال من عمل الأنبياء ، بل عملهم الإبلاغ والتبيين ، الله سبحانه وتعالى هو الموجّه والهادي الحقيقي لعباده.
ولكي لا يتصور أحد أنّ هذا القول بمعنى الجبر وسلب الحريّات ، فيضيف القرآن مباشرة : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وبمقتضى عزته وقدرته فإنّه قادر على كل شيء ، ولكن بمقتضى حكمته لا يهدي ولا يضلّ أحداً بدون سبب ودليل ، بل الخطوة الاولى تبدأ من قبل العباد وبكامل الحرية في السير إلى الله ، ثم يشعّ نور الهداية وفيض الحق في قلوبهم ، كما في