أُرْسِلْتُم بِهِ). لماذا؟ بسبب : (وَإِنَّا لَفِى شَكّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ).
وبما أنّ الآية السابقة بيّنت قول المشركين والكفار في عدم إيمانهم بسبب شكهم وترديدهم ، فالآية بعدها تنفي هذا الشك من خلال دليل واضح وعبارة قصيرة حيث يقول تعالى : (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
«فاطر» : من «فَطَر» وهي في الأصل بمعنى «شقّ» وهنا كناية عن «الخلق» فالخالق هو الموجد للأشياء على أساس نظام دقيق ثم يحفظها ويحميها ، كأنّ ظلمة العدم شقّت بنور الوجود.
ولعل «فاطر» تشير إلى تشقّق المادة الأوّلية للعالم ، كما نقرأ في العلوم الحديثة إنّ مجموع مادة العالم كانت واحدة مترابطة ثم إنشقّت إلى كُراة مختلفة.
فالقرآن الكريم هنا ـ كما في أغلب الموارد الاخرى ـ يستند لإثبات وجود الخالق وصفاته إلى نظام الوجود وخلق السماوات والأرض.
ثم يجيب القرآن الكريم على ثاني إعتراض للمخالفين ، وهو إعتراضهم على مسألة الرسالة (لأنّ شكّهم كان في الله وفي دعوة الرسول) ويقول إنّ من المسلم أنّ الله القادر والحكيم لا يترك عباده بدون قائد ، بل إنّه بإرسال الرسل : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ).
وزيادة على ذلك فإنّه : (وَيُؤَخّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى). كيما تسلكوا سبيل التكامل وتستفيدوا من موهبة الحياة بأقصى ما يمكنكم.
إنّ غاية دعوة الأنبياء أمران : أحدهما غفران الذنوب ، والثاني إستمرار الحياة إلى الوقت المعلوم ، والإثنان علة ومعلول ، فالمجتمع الذي يستمر في وجوده هو المجتمع النقي من الظلم والذنوب.
ومع كل ذلك لم يقبل الكفار المعاندون دعوة الحق المصحوبة بوضوح منطق التوحيد ، ومن خلال بيانهم المشوب بالعناد وعدم التسليم كانوا يجيبون الأنبياء بهذا القول : (قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مّثْلُنَا). علاوة على ذلك : (تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُءَابَاؤُنَا). وأكثر من ذلك : (فَأْتُونَا بِسُلْطنٍ مُّبِينٍ).