يستطيع أحد جمعه ، كذلك منكرو الحق ليست باستطاعتهم أن يجمعوا ما كسبوا (لَّايَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَىْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّللُ الْبَعِيدُ).
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٢٠)
الخلق على أساس الحق : بعد ما بحثنا عن الباطل وأنّه كالرماد المتناثر إذا إشتدّت به الريح ، نبحث في هذه الآية عن الحقّ وإستقراره ، يقول الله تعالى مخاطباً النبي صلىاللهعليهوآله باعتباره الاسوة لكل دعاة الحق : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقّ).
«الحق» : كما يقول الراغب في مفرداته «المطابقة والتنسيق» وله استعمالات اخرى : فتارةً يستعمل الحق في العمل الصادر وفقاً للحكمة والنظام كما في الآية (٥) من سورة يونس : (هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السّنِينِ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقّ).
وتارةً يطلق على الشخص الذي قام بهذا العمل المحكم ، كما ـ في الآية (٣٢) من سورة يونس ـ نطلقها على الله عزوجل : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ).
وتارةً اخرى يطلق على الإعتقاد الذي يطابق الواقع كما في الآية (٢١٣) من سورة البقرة : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقّ).
ومرّةً يقال للقول والعمل الذي يتحقق في الوقت المناسب كما في الآية (١٣) من سورة السجدة : (حَقَّ الْقَوْلُ مِنّى لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ).
فمقابل «الحق» الباطل والضلال واللعب وأمثالهما ؛ لكنّ الآية التي نحن بصددها تشير إلى المعنى الأوّل ، وهو إنشاء عالم الخلق. حيث توضّح أنّ الغرض من خلق السماء والأرض هو الحكمة والنظام والحساب ، فالله تعالى ليس محتاجاً في خلقها ولا ناقصاً لكي يسدّ نقصه بها ، بل هو الغني عن كل شيء ، وهذا العالم الواسع دار لنمو المخلوقات وتكاملها.
ثم يضيف : إنّ الدليل في عدم الحاجة إليكم ولا إلى إيمانكم هو : (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ).
وهذا العمل ليس صعباً عند الله (وَمَا ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ).
والشاهد على هذا القول في الآيات (١٣١ ـ ١٣٣) من سورة النساء : (وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَ