«خاب» : من الخيبة بمعنى فقدان المطلوب.
و «جبّار» : بمعنى المتكبّر هنا ، وتطلق هذه الكلمة أحياناً على الله جلّ وعلا فتعطي معنىً آخر ، وهو (جبر وإصلاح من هو بحاجة إلى الإصلاح) أو بمعنى (المتسلط على كل شيء).
و «العنيد» : في الأصل من «العَنَد» على وزن «رَنَد» بمعنى الإتّجاه ، وجاءت هنا بمعنى الانحراف عن طريق الحق.
ومن الطريف أنّ «جبار» تشير إلى صفة نفسانية بمعنى روح العصيان ، و «عنيد» تشير إلى آثار تلك الصفة في أفعال الإنسان حيث تصرفه عن طريق الحق.
ثم يُبيّن نتيجة عمل الجبارين في الآخرة ضمن آيتين في خمسة مواضع :
١ ـ إنّ مثل هذا الشخص : (مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ). مع أنّ كلمة «وراء» بمعنى «الخلف» في مقابل أمام ، إلّاأنّها في هذه الموارد تعني نتيجة وعاقبة العمل.
٢ ـ أمّا في جهنم فإنّه : (وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ). «الصديد» : القيح المتجمع بين اللحم والجلد ، وهو بيان للماء المتعفن الكريه الذي يسقونه.
٣ ـ فهذا المجرم المذنب عندما يرى نفسه في مقابل هذا الشراب (يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ). «يسيغه» : من إساغة ، وهي وضع الشراب في الحلق.
٤ ـ ووسائل التعذيب كثيرة بحيث (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ). حتى يذوق وبال عمله وسيّئاته.
٥ ـ وقد يتصور أن ليس هناك عقاباً أكثر من ذلك ، ولكن (وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ).
وبهذا الترتيب فإنّ كل ما يخطر في ذهن الإنسان وما لا يخطر من شدة العقاب هو في إنتظار هؤلاء الظالمين والجبارين والمذنبين لأنّه النتيجة الطبيعية لعمل الإنسان ، بل تجسيم أفعالهم في الآخرة ، فكل عمل يجسّم بشكل مناسب.
(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) (١٨)
رمادٌ إشتدّت به الريح : ضربت هذه الآية مثالاً واضحاً وبليغاً لأعمال الكفار ، وبذلك تكمل بحث الآيات السابقة في مجال عاقبة أمرهم. يقول تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ). فيتناثر الرماد في الريح العاصف بحيث لا