بتوكله على قدرة الله المطلقة يرى نفسه فاتحاً ومنتصراً ، وبهذا الترتيب فالتوكل عامل من عوامل القوة واستمداد الطاقة وسبب في زيادة المقاومة والثبات.
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) (١٧)
خطط الجبارين المعاندين ومصيرهم : عندما يعلم الظالمون بضعف منطقهم وعقيدتهم ، يتركون الاستدلال ، ويلجأون إلى القوة والعنف ، ونقرأ هنا أنّ الأقوام الكافرة العنيدة عندما سمعوا منطق الأنبياء المتين والواضح قالوا لرسلهم : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا).
وكأنّ هؤلاء القوم يعتبرون جميع ما في الأرض ملكهم ، حتى أنّهم لم يمنحوا لرسلهم حقوق المواطنة ، ولذلك يقولون «أرضنا» ، وفي الحقيقة فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الأرض وكل مواهبها للصالحين ، وهؤلاء الجبابرة في الواقع ليس لهم أي حق فيها.
ثم يضيف القرآن الكريم لتسلية قلوب الأنبياء : (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ). فلا تخافوا من وعيدهم ، ولا تُظهروا الضعف في إرادتكم.
وبما أنّ الظالمين كانوا يهدّدون الأنبياء بالتبعيد عن أرضهم ، فإنّ الله في مقابل ذلك كان يعد الأنبياء (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ). ولكن هذا النصر والتوفيق لا يناله إلّا (ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ).
وحين إنقطعت الأسباب بالأنبياء من كل جانب ، وأدّوا جميع وظائفهم في قومهم ، فآمن منهم من آمن ، وبقي على الكفر من بقي ، وبلغ ظلم الظالمين مداه ، في هذه الأثناء طلبوا النصر من الله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا) ...». وقد استجاب الله عزوجل دعاء المجاهدين المخلصين (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).