ثم يشير القرآن الكريم إلى موقف آخر من مواقف القيامة والعقاب النفسي للجبارين والمذنبين وأتباعهم الشياطين ، حيث يقول تعالى : (وَقَالَ الشَّيْطنُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ). وبهذا الترتيب فالشيطان وجميع المستكبرين الذين هم قادة طرق الضلال ، أصبحوا يلومون ويوبّخون تابعيهم البؤساء.
ثم يضيف : (وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مّن سُلْطنٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى). ويستمرّ في القول (فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُم). أنتم فعلتم فاللعنة عليكم!
وعلى كل حال فلا أنا أستطيع إنقاذكم من العذاب ولا أنتم تستطيعون إنقاذي : (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ). والآن اعلّمكم بأنّي أتبرّأ من شرككم وإطاعتكم لي (إِنّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ) فقد فهمت الآن أنّ الشرك في الطاعة أدّى إلى شقائي وشقائكم ، وهذه التعاسة ليس لها طريق للنجاة ، واعلموا (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
ونستفيد بشكل أكيد من هذه الآية أنّ وساوس الشيطان لا تسلب الإنسان اختياره وحرية إرادته ، بل هي مجرد دعوة ليس أكثر ، فالناس هم الذين يلبّون دعوته بإرادتهم.
وبعد بيان حال الجبارين والظالمين ومصيرهم المؤلم ، تتطرّق الآية الأخيرة من هذا البحث إلى حال المؤمنين وعاقبتهم ، حيث يقول تعالى : (وَأُدْخِلَ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) الآية.
«التحية» : في الأصل «الحياة» وتستعمل لسلامة وحياة الأفراد ، وتطلق لكل تحيّة وسلام ودعاء في بداية اللقاء.
ف «سلام» يشمل كل سلامة من أي نوع من أنواع العذاب الروحي والجسمي.
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ) (٢٧)
الشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة : هنا مشهد آخر في تجسيم الحق والباطل ، الكفر