والإيمان ، الطيّب والخبيث ضمن مثال واحد جميل وعميق المعنى ... يُكمل البحوث السابقة في هذا الباب. يقول تعالى أوّلاً : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيّبَةٍ). ثمّ يشير إلى خصائص هذه الشجرة الطيبة في جميع أبعادها ضمن عبارات قصيرة.
«الكلمة» : في معناها الواسع تشمل جميع الموجودات.
«الطيب» : كل طاهر ونظيف ، فالنتيجة من هذا المثال أنّه يشمل كل سنّة ودستور وبرنامج وطريقة ، وكل عمل ، وكل إنسان ... والخلاصة : كل موجود طاهر ونظيف وذي بركة ، وجميعها كشجرة طيبة فيها الخصائص التالية :
١ ـ كائن يمتلك الحركة والنمو ، وليس جامداً ولا خاملاً.
٢ ـ هذه الشجرة طيّبة ، من كل جهة ... ثمارها ، أزهارها ، ونسيمها جميعها طيب وطاهر.
٣ ـ لهذه الشجرة نظام دقيق ، لها جذور وأغصان ، وكل واحد له وظيفته الخاصة.
٤ ـ أصلها ثابت محكم بشكل لا يمكن أن يقلعها الطوفان ولا العواصف ، (أَصْلُهَا ثَابِتٌ).
٥ ـ إنّ أغصان هذه الشجرة الطيبة ليست في محيط ضيّق ولا رديء ، بل مقرّها في عنان السماء ، وهذه الأغصان والفروع تشقّ الهواء وتصعد فيه عالياً (وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ).
ومن الواضح أنّ الأغصان كلّما كانت عالية وسامقة تكون بعيدة عن التلوّث والغبار وتصبح ثمارها نظيفة.
٦ ـ هذه الشجرة كثيرة الثمر لا كالأشجار الذابلة العديمة الثمر ، ولذلك فهي كثيرة العطاء (تُؤْتِى أُكُلَهَا).
٧ ـ وثمارها ليست فصلية ، بل في كل فصل وزمان ، فإذا أردنا أن نمدّ يدنا إلى أغصانها في أي وقت لم نرجع خائبين (كُلَّ حِينٍ).
٨ ـ إنّ إنتاجها من الثمار يكون وفق قوانين الخلقة والسنن الإلهية وليس بدون حساب (بِإِذْنِ رَبّهَا).
والآن يجب أن نفتّش ، أين نجد هذه الخصائص والبركات؟
نجدها بالتأكيد في كلمة التوحيد ومحتواها ، وفي الإنسان الموحد ذي المعرفة.
الرجال العظام من المؤمنين هم كلمة الله الطيّبة ، وحياتهم أصل البركة ، دعوتهم توجب الحركة ، آثارهم وكلماتهم وأقوالهم وكتبهم وتلاميذهم وتاريخهم ... وحتى قبورهم جميعها ملهمة وحيّة ومربية.