عظمة الإنسان من وجهة نظر القرآن : تعقيباً للآيات السابقة في الحديث عن برنامج المشركين والذين كفروا بأنعم الله وكون مصيرهم إلى دار البوار ، تتحدّث هذه الآيات عن برنامج عباد الله المخلصين والنعم النازلة عليهم. يقول تعالى : (قُلْ لِّعِبَادِىَ الَّذِينَءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً). قبل أن يأتي ذلك اليوم الذي لا يستطيع فيه الإنسان من التخلّص من العذاب بشراء السعادة والنعيم الخالد ، ولا تنفع الصداقة حينئذ (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لَّابَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِللٌ).
ثم تتطرّق الآية إلى معرفة الله عن طريق نعمه ، معرفة تؤدّي إلى إحياء ذكره في القلوب ، وتحثّ الإنسان على تعظيمه في مقابل لطفه وقدرته ، لأنّ من الامور الفطرية أن يشعر الإنسان في قلبه بالحب والودّ لمن أعانه وأحسن إليه.
ويبيّن هذا الموضوع من خلال عدّة آيات (اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ).
ثم أنّه (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) سواء من جهة موادها الأوّلية المتوفرة في الطبيعة ، أو من جهة القوة المحرّكة لها وهي الرياح التي تهب على البحار والمحيطات بصورة منتظمة لتسيير هذه السفن فتنقل الإنسان وما يحتاج إليه من منطقة إلى اخرى بيسر وسهولة : (لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ).
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ) كي تسقوا من مائها زروعكم ، وتشربوا أنتم وأنعامكم ، وفي كثير من الأحيان تكون طريقاً للسفن والقوارب ، وتستفيدون منها في صيد الأسماك.
وليست موجودات الأرض ـ فقط ـ مسخّرةً لكم ، بل (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَائِبَيْنِ).
وليست مخلوقات العالم بذاتها فقط ، بل حتى الحالات العرضية لها هي في خدمتكم : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيلَ وَالنَّهَارَ * وَءَاتكُم مِّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) من احتياجاتكم البدنيّة والاجتماعية وجميع وسائل السعادة والرفاه (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَاتُحْصُوهَا) لأنّ النعم المادية والمعنوية للخالق شملت جميع وجودكم وهي غير قابلة للإحصاء ، وعلاوةً على ذلك فإنّ ما تعلمونه من النعم بالنسبة لما تجهلونه كقطرة في مقابل البحر.
وعلى الرغم من كل هذه الألطاف والنعم ف (إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
فلو كان الإنسان يستفيد من هذه النعم بشكلها الصحيح لاستطاع أن يجعل الدنيا