إلهي إنّني أدعو إلى توحيدك ، وأدعو الجميع إلى عبادتك (فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَن عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
إنّ إبراهيم عليهالسلام أراد بهذه العبارة أن يقول لله تعالى : إنّه حتى لو انحرف أبنائي عن مسيرة التوحيد واتّجهوا إلى عبادة الأصنام فإنّهم ليسوا منّي ، ولو كان غيرهم في مسيرة التوحيد فهم أبنائي وإخواني.
ثم يستمر بدعائه ومناجاته : (رَبَّنَا إِنّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَوةَ).
وكان ذلك عندما رزقه الله إسماعيل من جاريته «هاجر» فأثار ذلك حسد زوجته الاولى «سارة» ولم تستطيع تحمل وجود هاجر وإبنها ، فطلبت من إبراهيم أن يذهب بهما إلى مكان آخر ، فإستجاب لها إبراهيم طبقاً للأوامر الإلهية ، وجاء بإسماعيل وامّه إلى صحراء مكة القاحلة ، ثم ودّعهم وذهب.
ثم يتابع إبراهيم عليهالسلام دعاءه : إلهي ، إنّ أهلي قد سكنوا في هذه الصحراء المحرقة إحتراماً لبيتك المحرّم : (فَاجْعَلْ أَفِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
ومن هنا لمّا كان الإنسان الموحّد والعارف يعلم بمحدودية علمه في مقابل علم الله ، وأنّه لا يعلم مصلحته إلّاالله تعالى ، فما أكثر ما يطلب شيئاً من الله وليس فيه صلاحه ، أو لا يطلبه وفيه صلاحه ، وأحياناً لا يستطيع أن يقوله بلسانه فيضمره في أعماق قلبه ، ولذلك يعقّب على ما مضى من دعائه ويقول : (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِن شَىْءٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ).
فإن كنت مغتمّاً لفراق إبني وزوجتي فأنت تعلم بذلك ... وترى دموع عيني المنهملة.
وعندما فارقت زوجتي وقالت لي : «إلى من تكلني» فأنت أدرى بها وبمستقبلها ومستقبل هذه الأرض.
ثم يشير القرآن إلى شكر إبراهيم عليهالسلام لنعمه تعالى والتي هي من أهمّ ما إمتاز به عليهالسلام شكره على منحه ولدين بارّين إسماعيل وإسحاق وذلك في سنّ الشيخوخة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمعِيلَ وَإِسْحقَ). نعم (إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ).
ثم يستمرّ بدعاءه ومناجاته أيضاً فيقول : (رَبّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصَّلَوةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).