ثم يختم دعاءه هنا فيقول : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ).
وبهذا الترتيب فإنّ دعواته تبدأ بالأمن وتنتهي بالعفو والغفران ، ومن الطريف أنّه لم يطلبها لنفسه فقط ، بل للآخرين كذلك ، لأنّ عباد الرحمن ليسوا أنانيّين.
(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ) (٤٥)
اليوم الذي تشخص فيه الأبصار : كان الحديث في الآيات السابقة عن يوم الحساب ، وبهذه المناسبة تجسّم هذه الآيات حال الظالمين والمتجبرين في ذلك اليوم ، ثم تبيّن المسائل المتعلقة بالمعاد وتكمل الحديث السابق حول التوحيد وتبدأ في تهديد الظالمين : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ).
وهذا في الواقع جواب لُاولئك الذين يقولون : إذا كان لهذا العالم إله عادل فلماذا يترك الظالمين وحالهم؟ هل هو غافل عنهم أم لا يستطيع أن يمنعهم وهو يعلم بظلمهم؟
فيجيب القرآن الكريم على ذلك بأنّ الله ليس غافلاً عنهم أبداً ، لأنّ عدم عقابهم مباشرةً هو أنّ هذا العالم محلّ الامتحان والاختبار وتربية الناس ، وهذا لا يتمّ إلّافي ظل الحرية ، وسوف يأتي يوم حسابهم (إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رَءُوسِهِمْ لَايَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفِدَتُهُمْ هَوَاءٌ).
«تشخص» : من مادة «الشخوص» بمعنى توقف العين عن الحركة والنظر إلى نقطة بدهشة ؛ و «مهطعين» : من مادة «إهطاع» بمعنى رفع الرقبة ؛ و «مقنعي» : من مادة «الإقناع» بمعنى رفع الرأس عالياً.
إنّ بيان هذه الصفات الخمس : تشخص الأبصار ، مهطعين ، مقنعي رؤوسهم ، لا يرتدّ إليهم طرفهم ، أفئدتهم هواء ، صورة بليغة لهول وشدّة ذلك اليوم على الظالمين الذين كانوا يستهزئون بكل شيء ، وأصبحوا في هذا اليوم لا يستطيعون حتى تحريك أجفان أعينهم.