أنفسهم أمام الموت أو في عرصة يوم القيامة ، هنالك سيدركون عظمة حجم غفلتهم ومدى خسرانهم ، وكيف أنّهم قد ضيّعوا أغلى ما كانوا يملكون.
الآية التالية توضّح محدودية اللذائذ الدنيوية لكي لا يظن أحد إنّها خالدة فتقول : (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ).
ثم يقول تعالى : (مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتْخِرُونَ).
فقد سرت سنّة الباري جلّ شأنه بأن يعطي المدّة الكافية لرجوع المضللين إلى بارئهم ، من خلال ابتلائهم بالشدائد الصعبة تارة ، وبفيوضات الرخاء تارة اخرى ، فمن لا تنفعه البشارة يأتيه الإنذار وهكذا ، كل ذلك إتماماً للحجة عليهم.
(وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) (٨)
طلب نزول الملائكة : تبتدىء الآيات بتبيان موقف العداء الأعمى والتعصب الأصم للقرآن الحكيم والنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله من قبل الكفار ، فتقول : (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِى نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ).
ومن خلال كلامهم يظهر بجلاء مدى وقاحتهم وسوء الأدب الذي امتازوا به حين مخاطبتهم للنبي صلىاللهعليهوآله.
الملفت في التهم الموجهة إلى أنبياء الله تعالى أنّها تحمل بين طيّاتها تضاداً واضحاً يُلمس بأدنى تدبّر ، ففي الوقت الذي يرمون النبي بالجنون يعودون ويقولون عنه : إنّه لساحر ، فمع أنّ الساحر لابدّ له من الذكاء والنباهة ، فهل يعقل أن يكون الساحر ، مجنوناً؟!
إنّهم لم يكتفوا بنسبة الجنون إلى النبي صلىاللهعليهوآله بل تحججوا قائلين : (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
فيجيبهم الباري جلّ شأنه : (مَا نُنَزّلُ الْمَلِكَةَ إِلَّا بِالْحَقّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ).
وبعبارة اخرى : فالإعجاز ليس أمراً ترفيهياً يناغي تصوّرات الأخرين بقدر ما هو حجّة إلهية لإثبات الحق وإماطة الباطل.
وقد أشبعت هذه الحقيقة بصورة وافية لمن يرى النور نوراً والظلام ظلاماً من خلال ما أوصله نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله عن طريق القرآن والمعاجز الاخرى.