بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (٤) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (٥)
سورة اخرى تفتتح بالحروف المقطعة (الر) لتبيّن من جديد أنّ مفردات كتاب نور السماء إلى ظلام أهل الأرض ، ما هي إلّاعين تلك الأبجدية التي تلوك ألفاظها ألسن كل البشر ، صغيرهم وكبيرهم ، بين مختلف اللغات ، ومع ذلك فلا يستطيع أي مخلوق الوصول لبناء وتركيب كلام القرآن ، وهو ذروة التحدي الرباني المعجز ، وعليه فقد جاءت (تِلْكَءَايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُّبِينٍ) مباشرة ، لأنّه يظهر الحقائق ويبيّن الحق من الباطل.
ثم يحذّر الذين يصرّون على الفساد ومخالفة آيات الله الجليّة ، ويخبر بأنّهم سوف يندمون حين ينكشف الغطاء يوم القيامة بما كسبت أيديهم من كفر وتعصب أعمى وعناد. ويقول : (رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ).
فالمراد بكلمة «يودّ» التمني وذكر كلمة «لو» للدلالة على تمنّيهم الإسلام في وقت لا يمكنهم فيه العودة إلى ما كانوا ينكرون ، وهذه إشارة إلى أنّ تمنيهم سيكون في العالم الآخر وبعد معاينة نتائج الاعمال.
يمكن حمل الآية على ندم بعض من الكافرين في كلا العالمين (الدنيا والآخرة) ، واعتبار عدم استطاعتهم العودة إلى الإسلام في حياتهم الدنيا وفي الآخرة لجهات مختلفة.
ثم يأتي نداء السماء بلهجة لاذعة ، يا محمّد : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ). فهم كالأنعام التي لا تعرف سوى الحقل والعلف ، ولا تفهم سوى اللذات المادية ، وكل ما تريده لا يتعدى إطار ما تعرف وتفهم.
إنّهم لا يدركون فقه الحقائق ، لأنّ حجب الغرور والغفلة والأماني الزائفة ختمت على قلوبهم.
ولكن ، عندما يصفع الأجل وجوههم وترتفع تلك الحجب عن أعينهم ، وحينما يجدون