ـ مرة ، يريدون بالسخرية إسقاط شخصية النبي كي لا يؤثّر في أوساط الفئة الواعية.
ـ واخرى ، يحاولون بالإستهزاء تغطية ضعفهم وعجزهم أمام المنطق القوي والحجج الدامغة لرسل الله عزوجل.
ـ واخرى ، محاولة تخدير وجدانهم السارح في المتاهات كي لا يصحوا على حين غرّة فيعتنق الحق وينهض بأعباء مسؤوليته.
ـ وأخيراً ، فقبولهم لدعوة الأنبياء عليهمالسلام ـ حسب تصورهم ـ يستلزم تقويضاً لكل شهواتهم الدنيوية ، وتحميلهم وظائف جديدة لا يطيقونها ، فليجؤون للإستهزاء لتبرير إعراضهم وانكارهم وإراحة ضمائرهم.
ثم يقول جلّ وعلا : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ). أي : نوصل الآيات القرآنية إلى أعماق وجدانهم وعقولهم.
ومع وضوح البلاغ والتأكيد وبيان المنطق الرباني وإظهار المعجزات ، ترى المتعصبين المستهزئين (لَايُؤْمِنُونَ بِهِ) وهو ليس بجديد (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ).
ويصل أمر الغارقين في شهواتهم والمصرّين في عنادهم على الباطل إلى أنّهم لا يؤمنون حتى (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ). ومع ذلك (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ).
عجباً ، أن يصل الإنسان لهذا الدرك من العناد والتعصب.
إنّ الذنوب والجهل ومعاداة الحق تؤثّر على الروح الطاهرة والفطرة السليمة ، فتحجبهما عن رؤية وجه الحقيقة الناصع ، وتمنعهما من إدراك الحقائق ، وإذا لم يتمكن الإنسان من رفع تلك الحجب وإزالة الموانع ، فإنّ صورة الحق ستتلوّث في نظره فينكر كل ما هو معقول ومحسوس معاً ، ومن الممكن تطهير الفطرة في المراحل الاولى ، ولكن إذا رسخت في قلبه هذه الحالة وتجذّرت وأمست «ملكة» وصفة أخلاقية ، فلا يمكن ازالتها بسهولة ، وعندها سوف لا تترك أقوى الأدلة العقلية ولا أوضح الأدلة الحسية أيّ تأثير في قلبه.
(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) (١٨)
تشير الآيات إلى جانب من عالم المخلوقات لتعميق معرفة وتوحيد الله ، وبسياقها