جاءت تكملةً لبحثي القرآن والنبوة المذكورين في الآيات السابقة. قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا).
«البروج» : جمع «برج» ويعني «الظهور» ولهذا يطلق على البيت الذي يبنى في سور المدينة أو على سور الحصن الذي يعتصم به المقاتلون ، وذلك لما له من بروز وارتفاع خاص. ويقال كذلك (تبرجت) للمرأة التي تظهر زينتها.
والبروج السماوية : هي منازل الشمس والقمر. وبعبارة أقرب إلى الذهن : لو نظرنا إلى الشمس والقمر بإمعان فسنراها في كل فصل من فصول السنة ولفترة زمنية معينة يقابلان أحد الصور الفلكية (الصور الفلكية : مجموعة نجوم على هيئة خاصة) فنقول : إنّ الشمس في برج الحمل (١) ـ مثلاً ـ أو الثور أو الميزان أو العقرب أو القوس.
ويعتبر وجود الأبراج السماوية ، وكذلك النظام الدقيق في حركة منازل الشمس والقمر ضمن هذه البروج (وهو التقويم المجسّم لعالم وجودنا) ، من الأدلة الواضحة على علم وقدرة الخالق جلّ وعلا.
ثم يضيف : (وَزَيَّنَاهَا لِلنَّاظِرِينَ).
ويضيف في الآية التالية : (وَحَفِظْنهَا مِن كُلّ شَيْطنٍ رَّجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ).
إنّ المقصود من السماء هو سماء الحق والحقيقة ، وأنّ الشياطين ذوي الوساوس يحاولون أن يجدوا سبيلاً لاختراق السماء واستراق السمع ، ليتمكنوا من إغواء الناس بذلك ، ولكن النجوم والشهب (وهم القادة الربانيون من الأنبياء والأئمة والعلماء) يبعدونهم ويطردونهم بالعلم والتقوى.
(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١)
وإتماماً لما سبق يتناول القرآن بعض آيات الخلق ، ومظاهر عظمة الباري على وجه البسيطة ، ويبدأ بنفس الأرض (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا).
__________________
(١) «الحمل» : مجموع منظومات شمسية تظهر في السماء على هيئة الحمل تقريباً. وكذلك الثور والميزان وغيرها.