على جمع مياه الأمطار بمقادير كبيرة حتى بعد نزوله ، وأنّ الله عزوجل هو الذي يحفظها ويخزنها على قمم الجبال بهيئة ثلوج ، أو ينزلها في أعماق الأرض لتكون بعد ذلك عيوناً وآباراً.
ثم ينتقل من مظاهر توحيد الله إلى المعاد ومقدماته : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ). فيذكر مسألة الحياة والموت التي تعتبر من أهمّ المقدمات لبحث موضوع المعاد ، إضافة لكون هذه المسألة من مكمّلات موضوع التوحيد ، بالإضافة إلى أنّ وجود الحياة والموت بحد ذاته دليل على أنّ موجودات هذا العالم لا تملك زمام أنفسها ناهيك عمّا هو بأيديها ، وأنّ الوارث الحقيقي لكل شيء هو الله تعالى.
ثم يضيف : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتْخِرِينَ). أي : نحن على علم بهم وبما يعملون ، وإنّ أمر محاسبتهم وجزائهم في المعاد علينا سهل يسير.
ولهذا نرى الآية التي تليها : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ). مرتبطة تماماً مع ما قبلها ومتمّمة من خلال طرحها مسألة ما سيكون بعد الموت ... فحكمة الباري أوجبت أن لا يكون الموت نهاية لكل شيء.
فلو أنّ الحياة انحصرت بهذه الفترة الزمنية المحدودة وينتهي كل شيء بالموت لكانت عملية الخلق عبثاً ، وهذا غير معقول ، لأنّه تعالى منزّه عن العبث.
فالحكمة الإلهية اقتضت من «حياة الدنيا أن تكون مرحلة إستعداد لمسيرة دائمة نحو المطلق». وأمّا كونه سبحانه عليماً فهو عليم بصحائف أعمال الجميع المثبتة في قلب هذا العالم الطبيعي من جهة ، وكذلك في اعماق وجود الانسان من جهة اخرى ، ولا تخفى عليه خافية يوم يقوم الحساب.
وكونه سبحانه الحكيم العليم في هذا المورد دليل قوي وعميق الغور على مسألة الحشر والمعاد.
إنّ كلمة «المستقدمين» و «المستأخرين» لهما معنيان واسعان يشملان المتقدمين والمتأخرين من حيث الزمان ، وكذلك من حيث أعمال الخير والجهاد وحتى الحضور في الصفوف المتقدمة لصلاة الجماعة وما شابهها.