الوجود خاضعاً لحساب دقيق ، حتى الأرزاق إنّما تنزل إليكم بقدر.
ونقرأ في الآية (٢٧) من سورة الشورى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الْأَرْضِ وَلكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ).
إنّ السعي والكدح في صراع الحياة يضفي على حركة الإنسان ، الحيوية والنشاط ، وهو بقدر ما يعتبر وسيلة سليمة ومشروعة لتشغيل العقول وتحريك الأبدان ، فإنّه يطرد الكسل ويمنع العجز ويحيي القلب للتحرك والتفاعل مع الآخرين. وإذا ما جعلت الأرزاق تحت اختيار الإنسان بما يرغب هو لا حسب التقدير الرباني ، فهل يستطيع أحد أن يتكهن بما سيؤول إليه مصير البشرية؟
والفقر والغنى من البلاء الذي يدخل ضمن مخطط التمحيص والإمتحان ، فكما أنّ الفقر والعوز قد يجرّان الإنسان نحو هاوية السقوط في مهالك الانحراف ، فكذلك الغنى في كثير من حالاته يكون منشأً للفساد والطغيان.
(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٢٥)
دور الرياح والأمطار : بعد أن عرض القرآن الكريم في الآيات السابقة قسماً من أسرار الخليقة والنعم الإلهية كخلق الأرض والجبال والنباتات وما تحتاجه الحياة من مستلزمات ، يشير في أولى الآيات المبحوثة إلى حركة الرياح وما لها من آثار في عملية نزول المطر ، فيقول : (وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ). «لواقح» : جمع «لاقح» .. وهي تشير هنا إلى دور الرياح في تجميع قطع السحاب مع بعضها لتهيئة عملية سقوطالأمطار.
ويمكن حمل (مَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) على أنّها إشارة لخزن ماء المطر في السحب قبل نزوله ، أي : إنّكم لا تستطيعون استملاك السحب التي هي المصدر الأصلي للأمطار.
ويمكن حملها على أنّها إشارة إلى جمع وخزن الأمطار بعد نزولها ، أي إنّكم لا تقدرون