لا يفكّر لوط في التشفّع لهم وليعلم أنّهم لا يستحقونها أبداً.
ثم قالت الملائكة للوط : أخرج وأهلك من المدينة ليلاً حين ينام القوم أو ينشغلوا بشرابهم وشهواتهم ، لأجل نجاة الثلّة المؤمنة من قومه (وهم أهله ما عدا زوجته).
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ الَّيْلِ) وكن خلفهم كي لا يتخلف أحد منهم ولتكون محافظاً ورقيباً لهم (وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ) وعلى أن يكون نظركم إلى الأمام (وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ). أي : إلى أرض الشام ، أو أيّ مكان آخر يكون فيه الناس مطهرين من هذه الآثام.
ثم ينتقل مجرى الحديث حين يقول تعالى : (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ). أي : سوف لا يبقى منهم أحد عند الصباح.
ومن الملفت للنظر ، أنّ القرآن قد ترك القصة عند هذا الحد وعاد إلى بدايتها ليعرض ما ترك القول فيه ـ لسبب سنشير إليه فيما بعد ـ فيقول : (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ). أي : إنّهم قد ظنوا بحصول لقمة جديدة سائغة عن طريق ضيوف لوط.
وحينما سمع لوط أصواتهم وضجيجهم أغتمّ غمّاً شديداً لأجل ضيوفه ، لأنّه ما كان يدري أنّهم ملائكة العذاب إلى ذلك الوقت ولهذا : (قَالَ إِنَّ هؤُلَاءِ ضَيْفِى فَلَا تَفْضَحُونِ). أي : إن كنتم لا تؤمنون بالله ولا تصدّقون بالنبي ولا تعتقدون بثواب وعقاب ، فراعوا حق الضيافة التي هي من السنن المتعارف عليها عند كل المجتمعات سواء كانت مؤمنة أم كافرة ، أيّ بشر أنتم؟ لا تفهمون أبسط المسائل الإنسانية ، فإن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم!
ثم أضاف قائلاً : (وَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ) أمام ضيفي.
ولكنهم من الوقاحة والإصرار على الانحراف بحيث صاروا لا يشعرون بالخجل من أنفسهم ، بل راحوا يحاججون لوطاً ويحاسبونه ، وكأنّه إرتكب جرماً في استضافته لهؤلاء القوم (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعلَمِينَ) ، باستضافتهم! فلماذا خالفت أمرنا؟!
وكان قوم لوط من البخل بحيث إنّهم لا يحبّون الضيافة ، وكانت مدينتهم على طريق القوافل ، ويبررون فعلهم القبيح ببعض الواردين لدفع الضيوف ولأجل أن لا ينزل عندهم أحد من القوافل المارّة ، وتعارفوا على ذلك حتى أصبح عندهم عادة.
وكما يبدو أنّ لوطاً كان حينما يسمع بأحد الغرباء يدخل المدينة يسرع لاستضافته خوفاً