عليه من عمل قومه الخبيث ، ولما علم أهل المدينة بذلك جاؤوا إليه غاضبين ونهوه عن أن يستضيف أحداً مستقبلاً.
وعليه ، فكلمة «العالمين» في الآية أعلاه ـ كما يبدو ـ إشارة إلى عابري السبيل ، ومن هم ليسوا من أهل تلك المدينة.
وعندما رآهم لوط على تلك الحال من الوقاحة والجسارة ، أتاهم من طريق آخر لعلهم يستفيقون من غفلتهم وسكر انحرافهم ، فقال لهم : إن كنتم تريدون إشباع غرائزكم فلماذا تسلكون سبيل الانحراف ولا تسلكون الطريق الصحيح (الزواج) : (قَالَ هؤُلَاءِ بَنَاتِى إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ).
مما لا شك فيه أنّ بنات لوط لا يكفين لذلك العدد الهائل من المتحجرين حول داره ، ولكن لوطاً الذي كان يهدف إلى إلقاء الحجة عليهم أراد أن يقول لهم : إنّني مستعد إلى هذه الدرجة للتضحية من أجل الضيف ، وكذلك لأجل إنقاذكم من الفساد ونجاتهم من الإنحراف.
لكن الويل ، كل الويل من سكرات الشهوة ، الانحراف والغرور والعناد .. التي مسحت عنهم كل قيم الأخلاق الإنسانية وأفرغتهم من العواطف البشرية ، والتي بها يحسّون بالخجل والحياء أمام منطق لوط عليهالسلام أو أن يتركوا بيت لوط وينسحبوا عن موقفهم ، ولكن أنّى لهم ذلك ، والأكثرية بسبب عدم تأثّرهم بحديث لوط استمروا في غيّهم وأرادوا أن يمدّوا أيديهم إلى الضيوف.
وهنا يخاطب الله تعالى نبيّه قائلاً : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).
وبعد ذلك يبلغ كلام الله تعالى عن هؤلاء القوم الذروة حينما يبيّن عاقبتهم السيئة في آيتين قصيرتين وبشكل قاطع مليء بالدروس والعبر بقوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ).
أي صوت شديد عند شروق الشمس.
ويمكن حمل «الصيحة» على أنّها صاعقة عظيمة أو صوت زلزلة رهيب.
ولم يكتف بذلك بل شمل العذاب المدينة أيضاً (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا).
وزيد في التنكيل بهم (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ).
ثم إنّ نزول هذا العذاب ذو المراحل الثلاث (الصيحة الرهيبه ، قلب المدينة ، المطر الحجري) ـ رغم أنّ كل واحدة منهنّ كانت تكفي لقطع دابر القوم ـ كان لمضاعفة عذابهم