لشدة فسادهم وجسارتهم وإصرارهم على إدامة التلوّث بتلك القبائح الشنيعة ، وكي يكون عبرة لمن يعتبر.
وهنا يخلص القرآن الكريم إلى النتائج الأخلاقية والتربوية فيقول : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَايَاتً لّلْمُتَوَسّمِينَ). العقلاء الذين يفهمون الأحداث بفراستهم وذكائهم ونظرهم الثاقب ويحملون من كل إشارة حقيقة ومن كل تنبيه درساً.
ولا تتصوروا أنّ آثارهم ذهبت تماماً ، بل هي باقية على طريق القوافل والمارّة (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ).
ثم تدعو الآية المؤمنين إلى التفكر مليّاً في هذه القصة واستخلاص العبر منها : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لّلْمُؤْمِنِينَ).
(وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٨١) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون)(٨٤)
خاتمة أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر : يشير القرآن الكريم في هذه الآيات إلى قصّتين من قصص الامم السالفة ، وهما (أصحاب الأيكة) و (أصحاب الحجر) ليكمل البحث الذي عرضه في الآيات السابقة حول قوم لوط. يقول أوّلاً : (وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ. فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) وعاقبناهم على ظلمهم واستبدادهم ..
وجعلنا أرضهم وأرض قوم لوط ـ المتقدمة قصّتهم ـ على طريقكم (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ). فانظروا إليها وإلى عاقبة أمرهم ، واعتبروا يا اولي الألباب.
«الأيكة» : هي الأشجار المتشابكة مع بعضها ، و «أصحاب الأيكة» : هم قوم «شعيب» الذين عاشوا في بلدة مليئة بالماء والأشجار بين الحجاز والشام وكانت حياتهم مرفّهة ثريّة فاصيبوا بالغرور والغفلة ، فأدّى ذلك إلى الإحتكار والفساد في الأرض.
وقد دعاهم شعيب عليهالسلام إلى التوحيد ونهج طريق الحق ، مع تحذيره المكرر لهم من عاقبة أعمالهم السيئة فيما لو استمروا على الحال التي هم عليها.