«كأس» : يطلقها أهل اللغة على إناء الشراب المملوء ، فيما يطلقون كلمة «قدح» عليه إن كان خالياً ؛ و «معين» : مشتقة من «معن» على وزن (صحن) وتعني الجاري ، إشارة إلى أنّ هناك عيوناً جارية من الخمر الطاهر ، تملأ منها ـ في كل لحظة ـ الكؤوس ، ومن ثم يطاف بها على أهل الجنة.
ثم ينتقل الحديث إلى وصف كؤوس الشراب ، إذ يقول : إنّها بيضاء اللون ومتلألئة وتعطي لذة للشاربين بها (بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لّلشَّارِبِينَ).
إنّها أشربة طاهرة ، خالية من الألوان الشيطانية ، وبيضاء اللون شفّافة.
الآية السابقة التي تطرّقت إلى الشراب والكؤوس ربّما تجلب إلى الأذهان مفاهيم اخرى ، أمّا الآية التي تليها فتطرد في جملة قصيرة كافّة تلك المفاهيم عن الأذهان : (لَافِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزِفُونَ).
«غول» : على وزن (قول) تعني الفساد الذي ينفذ إلى الشيء بصورة غير محسوسة.
«ينزفون» : من مادة «نزف» على وزن (حذف) وتعني فقدان الشيء تدريجيّاً. والمقصود في هذه الآية ذهاب العقل تدريجيّاً والوصول إلى حالة السكرة ، أمّا خمر الجنة الطاهر فإنّه لا يسكر على الإطلاق ، إذ لا يذهب بالعقل ولا يسبّب أي مضارّ.
أمّا القسم السادس ، فإنّه يشير إلى الحور العين في جنات النعيم : (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ). أي نرزقهم زوجات لا يعشقن سوى أزواجهن ويقصرن طرفهنّ عليهم فقط ، ولهذه الزوجات أعيناً واسعة وجميلة.
«طرف» : في الأصل تعني جفن العين ، وهذه الكلمة كناية عن النظر ، إذ إنّ أجفان العين تتحرّك عندما ينظر الإنسان إلى شيء ما ؛ إذن فإنّ عبارة (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) تعني النساء اللواتي ينظرن نظرة قصيرة ، وأنّهنّ ينظرن إلى أزواجهنّ فقط.
هذا التعبير كناية عن كونهنّ لا يعشقن إلّاأزواجهن ، وقلوبهم متيّمة بمحبّتهم ، ولا توجد محبّة اخرى في قلوبهنّ ، وهذا هو أكبر إمتياز للمرأة التي تحبّ زوجها وتتأمل به.
إنّ آخر آية في بحثنا هذا تعطينا وصفاً آخر لزوجات الجنة ، إذ توضّح طهارتهن وقداستهنّ من خلال هذه العبارة : (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ). أي إنّهن نظيفات وظريفات.
الهبات التي منّ الله تعالى بها على أهل الجنة ـ المذكورة في الآيات السابقة ـ هي مجموعة من الهبات الماديّة والمعنوية ، وإن كان حقيقة النعم التي تغدق على أهل الجنة خفيّة عن أهل الدنيا ، إلّاإذا ذهبوا إلى هناك وشاهدوها عن قرب ليدركوها.