إنّ عبارة (العزيز) و (الغفار) تشير من جانب إلى مبدأ (الخوف والرجاء) ومن جانب ثانٍ تشير إلى إلغاء الوهية الأصنام والفراعنة ، حيث لا يملكون العزّة ولا العفو.
ينتقل الخطاب القرآني ـ على لسان مؤمن آل فرعون ـ إلى قوله تعالى : (لَاجَرَمَ أَنَمَّا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى الدُّنْيَا وَلَا فِى الْأَخِرَةِ).
إنّ هذه الموجودات لا تملك الحس والشعور ، إنّها أصنام لا تتكلم ولا تضر ولا تنفع ، وإنّ عليكم أن تعلموا : (وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ). فهو سبحانه وتعالى الذي أرسل رسله إلى الناس لأجل هدايتهم ، وهو الذي يثيبهم ويعاقبهم على أعمالهم.
ويجب أن تعلموا أيضاً : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ).
وهكذا كشف مؤمن آل فرعون ما كان يخفي من إيمانه ، وبذلك فقد انكشف هنا خطّه الإيماني التوحيدي ، وانفصل علناً عن خط الشرك الملوّث.
في آخر كلامه ـ وبتهديد ذي مغزى ـ يقول لهم : (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ).
إنّ ما قلته لكم ستذكرونه في الدنيا والآخرة ، وستعلمون صدقي عندما تصيبكم المصائب ، وينزل بساحتكم الغضب الإلهي ، لكن سيكون ذلك كلّه بعد فوات الأوان ، فإن كان في الآخرة فلا طريق للرجوع ، وإن كان في الدنيا فهو لا يتمّ إلّاحين يحلّ بكم العذاب الإلهي ، وعندها ستغلق جميع أبواب التوبة.
ثم تضيف الآية على لسان الرجل المؤمن : (وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
لهذا كلّه لا أخشى تهديداتكم.
الله تبارك وتعالى لم يترك عبده المؤمن المجاهد وحيداً وإنّما : (فَوَقهُ اللهُ سَيَاتِ مَا مَكَرُوا).
أمّا القوم الظالمون فقد كان مصيرهم ما يرسمه لنا القرآن الكريم : (وَحَاقَ بَالِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ).
إنّ العذاب والعقاب الإلهي أليم بمجمله ، إلّاأنّ تعبير «سوء العذاب» يظهر أنّ الله تبارك وتعالى انتخب لهم عذاباً أشدّ إيلاماً من غيره ، وهو ما تشير إليه الآية التي بعدها ، حيث قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا). ثم : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواءَالَ فرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).