وبين المؤمنين الواعين ، حيث تقول : (وَمَا يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِىءُ).
إلّا أنّكم بسبب جهلكم وتكبّركم : (قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ).
إنّ المبصرين يرون صغر أنفسهم إزاء عظمة العالم المحيط بهم ، وبذلك فهم يعرفون قدر أنفسهم ومعرفتهم وموقعهم ، إلّاأنّ الأعمى لا يدرك موقعه أو حجمه في الزمان والمكان وفي عموم الوجود المحيط به ، لذلك فهو يخطىء دائماً في تقييم أبعاد وجوده ، ويصاب بالكبر والغرور والوهم الذي يدفعه إلى ما هو قبيح وسيّء.
الآية الأخيرة في المجموعة القرآنية التي بين أيدينا تتعرّض إلى وقوع القيامة وقيام الساعة حيث يقول تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ لَأَتِيَةٌ لَّارَيْبَ فِيهَا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايُؤْمِنُونَ).
أمّا سبب القول : ب (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايُؤْمِنُونَ) فلا يعود إلى أنّ قيام القيامة من القضايا المجهولة والمبهمة ، بل ثمّة ميل في الإنسان نحو «الحرية» في الاستفادة غير المشروطة أو المقيدة من ملذّات الدنيا وشهواتها ، بالإضافة إلى الأمل الطويل العريض الذي يلازم الإنسان فينساق مع الحياة ، ويغفل عن التفكير بالقيامة ، أو الإستعداد لها.
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٦٣)
ادعوني أستجب لكم : لقد تضمّنت الآيات السابقة ألوان الوعيد والتهديد لغير المؤمنين من المتكبرين والمغرورين ، المجموعة التي بين أيدينا من الآيات الكريمة تفيض حبّاً إلهيّاً ولطفاً ، وتنبجس بالرحمة الشاملة للتائبين. يقول تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
الدعاء في نفسه نوع من العبادة ، لأنّ الآية أطلقت في نهايتها صفة العبادة على الدعاء.