تتضمّن الآية في نهايتها تهديداً قويّاً للذين يستنكفون عن الدعاء ، حيث يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (١).
في الكافي عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام قال : «إنّ عند الله عزوجل منزلة لا تنال إلّابمسألة ، ولو أنّ عبداً سدّ فاه ولم يسأل لم يعط شيئاً فسل تعط يا ميسر إنّه ليس من باب يقرع إلّايوشك أن يفتح لصاحبه».
فبما أنّ الدعاء وطلب الحوائج من الله تعالى يعتبر فرعاً لمعرفته ، لذا تتحدث الآية التي تليها عن حقائق تؤدّي إلى ارتقاء مستوى المعرفة لدى الإنسان ، وتزيد شرطاً جديداً لإجابة الدعاء ، متمثلاً بالأمل في الإجابة ، بل وانتظار تنجز الحاجة وتمامها. يقول تعالى : (اللهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ).
إنّ ظلمة الليل وهدوءه وسكونه يعتبر ـ من جانب ـ سبباً قهرياً لتعطيل الحركة اليومية لعمل الإنسان السوي ونشاطه ، ومن ناحية اخرى تمحو عن الإنسان تعب النهار ، وتدفعه إلى الإستقرار والرأفة لجسده وأعصابه ، في حين يعتبر النور والنهار أساس الحياة والحركة. لذلك يضيف تعالى : (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا).
ثم تضيف الآية : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايَشْكُرُونَ).
إنّ طبع الإنسان الجاهل هو كفران النعم وترك الشكر ، كما نقرأ ذلك في الآية (٣٤) من سورة إبراهيم ، في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
الآية التي تليها تبدأ من توحيد الربوبية وتنتهي بتوحيد الخالقية والربوبية. فتقول أوّلاً : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ). ومربيكم الذي من صفاته أنّه : (خَالِقُ كُلّ شَىْءٍ).
ولا معبود إلّاالله : (لَّاإِلهَ إِلَّا هُوَ).
في الواقع إنّ وجود كل هذه النعم دليل على الربوبية والتدبير ، وخالق كل شيء عنوان لصفة التوحيد في الربوبية ، لأنّ الخالق هو المالك والمربي. ومن المعلوم أنّ الخلق يستدعي الرعاية الدائمة لأنّ الخالقية لا تعني أنّ الله يخلق الخلق ويتركها وشأنها ، بل لابدّ وأن يكون الفيض الإلهي مستمراً في كل لحظة على جميع الموجودات. ولذلك فهذه الخالقية لا تنفصل عن الربوبية.
__________________
(١) «داخر» : من «دخور» وتعني الذلة ، وهذه الذلة هي عقوبة ذلك التكبّر والإستعلاء.