قلوبهم ، فهم أحياء بذكره ، وكؤوس قلوبهم طافحة بحبّه وعشقه.
ثم تضيف : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا).
وهنا تذكر الآية صفتين اخريين لهؤلاء هما : «الخوف» و «الرجاء» ، فلا يأمنون غضب الله عزوجل ، ولا ييأسون من رحمته ، والتوازن بين الخوف والرجاء هو ضمان تكاملهم وتوغّلهم في الطريق إلى الله سبحانه ، والحاكم على وجودهم دائماً ، لأنّ غلبة الخوف تجرّ الإنسان إلى اليأس والقنوط ، وغلبة الرجاء تغري الإنسان وتجعله في غفلة ، وكلاهما عدوّ للإنسان في سيره التكاملي إلى الله سبحانه.
وثامن صفاتهم ، وآخرها في الآية أنّهم : (وَمِمَّا رَزَقْنهُمْ يُنفِقُونَ).
فهم لا يهبون من أموالهم للمحتاجين وحسب ، بل ومن علمهم وقوّتهم وقدرتهم ورأيهم الصائب وتجاربهم ورصيدهم الفكري ، فيهبون منها ما يحتاج إليه الغير.
ثم تطرقت الآية التالية إلى الثواب العظيم للمؤمنين الحقيقيين الذين يتمتعون بالصفات المذكورة في الآيتين السابقتين ، فتقول بتعبير جميل يحكي الأهمية الفائقة لثوابهم : (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
التعبير ب (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ) وكذلك التعبير ب (قُرَّةِ أَعْيُنٍ) مبيّن لعظمة هذه المواهب والعطايا التي لا عدّ لها ولا حصر.
وفي حديث ـ رواه البخاري ومسلم جميعاً ـ عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «إنّ الله يقول : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر».
وتبيّن الآية التالية المقارنة التي مرّت في الآيات السابقة بصيغة أكثر صراحة ، فتقول : (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّايَسْتَوُونَ).
لقد جعل «الفاسق» في مقابل «المؤمن» في هذه الآية ، وهذا دليل على أنّ للفسق مفهوماً واسعاً يشمل الكفر والذنوب الاخرى.
وتبيّن الآية التالية عدم المساواة هذه بصورة أوسع وأكثر تفصيلاً ، فتقول : (أَمَّا الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى) (١). ثم تضيف الآية بأنّ هذه الجنّات قد أعدّها الله تعالى لاستقبالهم في مقابل أعمالهم الصالحة : (نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
إنّ التعبير ب «نزلاً» ، والذي يقال عادةً للشيء الذي يهيّئونه لاستقبال وإكرام الضيف ، إشارة لطيفة إلى أنّ المؤمنين يُستقبلون ويُخدمون دائماً.
__________________
(١) «المأوى» : من مادة «أوى» بمعنى إنضمام شيء إلى شيء آخر ، ثم قيلت للمكان والمسكن والمستقرّ.