إنّ قوله تعالى (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا) يبيّن أنّ المحكمة تنعقد بالقرب من النار.
المجرمون يستغربون هذه الظاهرة ، وآية استغرابهم قوله تعالى : (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا).
وفي الجواب يقولون : (قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ).
ثم تستمر الآية بقوله تعالى : (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
ومرّة اخرى تضيف : (وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ).
وإنّ سبب إخفائكم لأعمالكم هو : (وَلكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لَايَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ).
كنتم غافلين عن أنّ الله يسمع ويرى ، يشهد أعمالكم في كل حال ومكان ، ثم هناك عناصر الرقابة التي ترافقكم وهي معكم في كل مكان ، فهل تستطيعون إنجاز عمل مخفي عن أعينكم وآذانكم وجلودكم؟
ثم يقول تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنُتم بِرَبّكُمْ أَرْدَيكُمْ فَأَصْبَحْتُم مّنَ الْخَاسِرِينَ).
توضّح الآيات بشكل قاطع خطورة سوء الظن بالله تعالى ، ومآل ذلك إلى الهلاك والخسران.
وبعكس ذلك فإنّ حسن الظن بالله تعالى سبب للنجاة في الدنيا والآخرة.
(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) (٢٥)
قرناء السوء : في أعقاب البحث السابق حيث تحدّثت الآيات الكريمة عن مصير «أعداء الله» جاءت الآيتان أعلاه لتشيران إلى نوعين من العقاب الأليم الذي ينتظر هؤلاء في الدنيا والآخرة. يقول تعالى : (فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ). ولا يمكنهم الخلاص منها لأنّها مصيرهم سواء صبروا أم لم يصبروا.
«مثوى» : من «ثوى» على وزن «هوى» وتعني المقرّ ومحل الاستقرار.
وللتأكيد على هذا الأمر تضيف الآية : (وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مّنَ الْمُعْتَبِينَ).