لقد جاءهم نبيّهم بمنطق قوي ، ومعه المعاجز الإلهية ، إلّاأنّ هؤلاء القوم المغرورين المستعلين لم يرفضوا دعوته وحسب ، بل آذوه وأتباعه القليلين ، لذلك شملهم الله بعقابه في الدنيا ، ولن يغني ذلك عن عذاب الآخرة شيئاً.
القرآن يجيبنا على ذلك بقول الله عزوجل : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
قال بعض المفسرين : لقد آمن بالنبي صالح (١١٠) أشخاص من بين مجموع القوم.
لقد أنجى هذه المجموعة إيمانها وتقواها ، بينما شمل العذاب تلك الكثرة الطاغية بسبب كفرها وعنادها ؛ والمجموعتان يمكن أن تكونا نموذجاً لفئات من هذه الأمة.
(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (٢٣)
كانت الآيات السابقة تتحدث عن الجزاء الدنيوي للكفار المغرورين والظالمين والمجرمين ، أمّا الآيات التي نبحثها الآن فتتحدث عن العذاب الاخروي ، وعن مراحل مختلفة من عقاب أعداء الله. يقول تعالى : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ).
ولكي تتصل الصفوف ببعضها يتمّ تأخيرالصفوف الاولى حتى تلتحق بها الصفوف الاخرى : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١). وحينذاك : (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
يا لهم من شهود؟ فأعضاء الإنسان تشهد بنفسها عليه ولا يمكن إنكار شهادتها ، لأنّها كانت حاضرة في جميع المشاهد والمواقف وناظرة لكل الأعمال ، وهي إذ تتحدث فبأمر الله تعالى.
__________________
(١) «يوزعون» : من «وزع» وهي بمعنى المنع ، وعندما تستخدم للجنود أو الصفوف الاخرى ، فإنّ مفهومها يعني أن يبقى المجموع إلى أن يلتحق بهم آخر نفر.