تضيف الآية في النهاية قوله تعالى : (وَكَانُوا بَايَاتِنَا يَجْحَدُونَ).
نعم ، إنّ الإنسان الضعيف المحدود سوف يطغى بمجرّد أن يشعر بقليل من القدرة والقوّة ، وأحياناً بدافع من جهله ، فيتوهم أنّه يصارع الله جلّ وعلا.
لكن ما أسهل أن يبدل الله عوامل حياته إلى موت ودمار ، كما تخبرنا الآية عن مآل قوم عاد : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا).
إنّ هذه الريح الصرصر ، وكما تصرّح بذلك آيات اخرى ، كانت تقتلعهم من الأرض بقوّة ثم ترطمهم بها ، بحيث أصبحوا كأعجاز النخل الخاوية ـ يلاحظ الوصف في سورة القمر الآيتين (١٩ و ٢٠) وسورة الحاقّة الآية (٦) فما بعد.
لقد استمرت هذه الريح سبع ليال وثمانية أيّام ، وحطّمت كيانهم وكل وسائل عيشهم ، نكالاً بما ركبوا من حماقة وعلو وغرور ، ولم يبق منهم سوى أطلال تلك القصور العظيمة ، وآثار تلك الحياة المرفهة.
هذا في الدنيا ، وهناك في الآخرة : (وَلَعَذَابُ الْأَخِرَةِ أَخْزَى).
إنّ العذاب الدنيوي هو في الواقع كالشرارة في مقابل بحر لجّي من النار في عذاب الآخرة.
والأنكى من ذلك أن ليس هناك من ينصرهم : (وَهُمْ لَايُنصَرُونَ).
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (١٨)
عاقبة قوم ثمود : بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن قوم عاد ، تبحث هاتان الآيتان في قضية قوم ثمود ومصيرهم ، حيث تقول : إنّ الله قد بعث الرسل والأنبياء لهم مع الدلائل البيّنة ، إلّاأنّهم : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى).
لذلك : (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
وهؤلاء مجموعة تسكن «وادى القرى» (منطقة بين الحجاز والشام) وقد وهبهم الله أراضي خصبة خضراء مغمورة ، وبساتين ذات نعم كثيرة ، وكانوا يبذلون الكثير من جهدهم في الزراعة ، ولقد وهبهم الله العمر الطويل والأجسام القوية ، وكانوا مهرة في البناء القوي المتماسك.