لكن هذا الأمر لا يعني أنّ لهم الحرية في أن يعملوا ما يشاؤون ، أو أن يتصرّفوا بما يرغبون ، بل هو تهديد لهم لإعراضهم عن كلام الحق.
الآية التي بعدها تتحوّل من الحديث عن التوحيد والمعاد إلى القرآن والنبوّة ، وتحذّر الكفار المعاندين بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ).
إنّ إطلاق وصف «الذكر» على القرآن يستهدف تذكير الإنسان وإيقاظه ، وشرح وتفصيل الحقائق له بشكلٍ إجمالي عن طريق فطرته.
ثم تنطلق الآية لبيان عظمة القرآن فتقول : (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ).
إنّه كتاب لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله أو أن يتغلّب عليه ، منطقه عظيم واستدلاله قوي ، وتعبيره بليغ منسجم وعميق ، تعليماته جذرية ، وأحكامه متناسقة متوافقة مع الاحتياجات الواقعية للبشر في أبعاد الحياة المختلفة.
ثم تذكر الآية صفة اخرى مهمة حول عظمة القرآن وحيويته ، فيقول تعالى : (لَّايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ).
يعني عدم وجود تناقض في مفاهيمه ، ولا ينقض بشيء من العلوم ، أو بحقائق الكتب السابقة ، ولا يعارض كذلك بالإكتشافات العلمية المستقبلية.
لا يستطيع أحد أن يبطل حقائقه ، ولا يمكن أن ينسخ في المستقبل.
لم تصل إليه يد التحريف بزيادة أو نقص في آية أو كلمة ، ولن يطاله ذلك مستقبلاً.
لأنّه : (تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
أفعال الله عزوجل لا تكون إلّاوفق الحكمة وفي غاية الكمال. لذا فهو أهل للحمد دون غيره.
(مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْ لَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٤٦)