وبما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن الرحمة الإلهية ، لذا يُطرح سؤال في هذا المجال ، وهو كيف تجتمع الرحمة وكل هذه المصائب التي تصيبنا.
الآية الاخرى تجيب على هذا السؤال وتقول : (وَمَا أَصَابَكُم مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ).
ثم إنّ هذا الجزاء ليس جزاءً على جميع أعمالكم القبيحة ، لأنّه (وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ).
تبيّن هذه الآية وبوضوح أنّ فلسفة الحوادث المؤلمة والمشاكل الحياتية التي تصيب الإنسان هي نوع من التحذير والعقاب الإلهي.
في جامع الأخبار عن الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : «إنّ البلاء للظالم أدب ، وللمؤمن امتحان ، وللأنبياء درجة ، وللأولياء كرامة».
على أيّة حال ، فقد يتصوّر البعض أنّهم يستطيعون الهروب من هذا القانون الإلهي الحتمي ، لذا فإنّ آخر آية في هذا البحث تقول : (وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِى الْأَرْضِ) (١).
وفي السماء بطريق أولى وكيف تستطيعون الهروب من قدرته وحاكميته في حين أنّ كل عالم الوجود هو في قبضته ولا منازع له. وإذا كنتم تعتقدون بوجود من سيساعدكم وينصركم ، فاعلموا : (وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللهِ مِن وَلِىّ وَلَا نَصِيرٍ).
وفي الحقيقة فإنّ آخر آية تجسّد ضعف وعجز الإنسان ، والآية التي قبلها عدالة الخالق ورحمته.
(وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٣٦)
__________________
(١) «معجزين» : من كلمة «إعجاز» ، إلّاأنّها وردت في العديد من الآيات القرآنية بمعنى الهروب من محيط القدرة الإلهية ومن عذابه ، حيث يقتضي معناها ذلك.