سبب النّزول
في تفسير القرطبي : قال خباب بن الأرت : أنّ الآية (وَلَوْ بَسَطَ) ... فينا نزلت ، نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت.
التّفسير
ورد في آخر آية من الآيات السابقة من أنّ الخالق يستجيب دعوة المؤمنين ، وفي أعقاب ذلك يطرح هذا السؤال : لماذا نرى البعض منهم فقراء ، ولا ينالون ما يرغبونه مهما يدعون؟ تقول الآية : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الْأَرْضِ وَلكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ).
وبهذا الترتيب فإنّ تقسيم الأرزاق يقوم على حساب دقيق من قبل الخالق تجاه عباده ، وهذا يحدث بسبب : (إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).
فهو يعلم بمقدار استيعاب أيّ شخص فيعطيه الرزق وفقاً لمصلحته ، فلا يعطيه كثيراً ليطغى ، ولا قليلاً فيعيش الضنك من الفقر.
صحيح أنّ الخالق ينزل الرزق بقدر حتى لا يطغي العباد ، إلّاأنّه لا يمنعهم أو يحرمهم ، لذا فإنّ الآية التي بعدها تقول : (وَهُوَ الَّذِى يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ).
ولماذا لا يكون هذا : (وَهُوَ الْوَلِىُّ الْحَمِيدُ).
هذه الآية تتحدث عن آيات وعلائم التوحيد في نفس الوقت الذي تبيّن فيه نعمة ولطف الخالق ، لأنّ نزول المطر يشتمل على نظام دقيق للغاية ومحسوب.
ولهذه المناسبة ـ أيضاً ـ فإنّ الآية التي بعدها تتحدث عن أهم آيات علم وقدرة الخالق ، حيث تقول : (وَمِنءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِّن دَابَّةٍ).
وتقول الآية في نهايتها : (وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ).
والمقصود من جمع الأحياء الذي تذكره هذه الآية ، فقد ذكر العديد من المفسّرين أنّه الجمع للحساب وجزاء الأعمال في القيامة.
ويحتمل في تفسير الآية أعلاه أنّ المقصود من (الجمع) الجانب المقابل ل (بث) ، أي أنّ (بث) تشير إلى خلق أنواع الكائنات الحية باختلافها ، ثم إذا شاء الخالق (جمعها) وأفناها. فكما أنّ العديد من الأحياء ـ (على مدى التاريخ) ـ انتشرت بشكل عجيب ، ثم انقرضت واختفت فيما بعد ، كذلك جمعها وإبادتها يكون بيد الخالق.