فهذه هي مسؤولية الخالق في توضيح الحق وفضح الباطل وفقاً لحكمته ، وإلّا فكيف يسمح لشخص بالكذب عليه وفي نفس الوقت ينصره ويظهر على يديه المعاجز؟
كما أنّ من الاخطاء الكبيرة أن يتصور بعض المشركين قيام الرسول صلىاللهعليهوآله بهذا العمل مخفياً ذلك عن علم الخالق : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
وبما أنّ الخالق يبقي طريق الرجعة مفتوحاً أمام العباد ، لذا فإنّ الآيات القرآنية بعد ذم أعمال المشركين والمذنبين القبيحة تشير إلى أنّ الابواب التوبة مفتوحة دائماً ، ولذا تقول الآية محل البحث : (وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيّئَاتِ).
إلّا أنّكم إذا تظاهرتم بالتوبة وأخفيتم أعمالاً اخرى ، فلا تتصوروا أنّ ذلك يخفى عن علم الخالق ، لأنّه : (وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
أمّا آخر آية فتوضّح الجزاء العظيم للمؤمنين ، والعذاب الأليم للكافرين في جمل قصيرة فتقول : إنّ الله تعالى يستجيب لدعاء المؤمنين وطلباتهم : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). بل : (وَيَزِيدُهُم مّن فَضْلِهِ). وسوف يعطيهم ما لم يطلبوا : (وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ).
هذه السورة (سورة الشّورى) من السور المكية إلّاأنّ بعض المفسرين يعتقدون أنّ هذه الآيات الأربع (٢٣ ـ ٢٦) نزلت في المدينة ، وسبب النزول الذي ذكرناه في بداية تفسير هذه الآيات يشهد على هذا المعنى.
وأيضاً فإنّ الروايات التي تفسّر أهل البيت بعليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين عليهمالسلام تناسب هذا المعنى ، لأنّنا نعلم أنّ زواج علي من سيدة النساء عليهماالسلام تمّ في المدينة ، وولادة الحسن والحسين عليهماالسلام كانتا في العام الثالث والرابع الهجري على ما رواه المؤرخون.
(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (٣١)